للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فشبه ضرع العنز بالسكير، وصوت الحلب بأزيزه، فقرب بين الأشياء البعيدة بتشبيهه حتى تناسبت، ولو كان الوجه ما قال قدامة لكان الصواب أن يشبه الأشجعي ضرع عنزة بضرع بقرة، أو خلف ناقة؛ لأنه إنما أراد كبره وكثرة ما فيه من اللبن، وكان يعدل عن ذكر الكير وأزيزه الذي دل به على أعظم ما يكون من صفة كبر الضرع وكثرة لبنه.

وسبيل التشبيه إذ كانت فائدته إنما هي تقريب المشبه من فهم السامع، وإيضاحه له أن تشبه الأدون بالأعلى إذا أردت مدحه، وتشبه الأعلى بالأدون إذا أردت ذمه، فتقول في المدح: تراب كالمسك، وحصى كالياقوت، وما أشبه ذلك، فإذا أردت الذم قلت: مسك كالسك أو التراب، وياقوت كالزجاج أو كالحصى؛ لأن المراد في التشبيه ما قدمته من تقريب الصفة وإفهام السامع، وإن كان ما شابه الشيء من جهة فقد شابهه الآخر منها، إلا أن المتعارف وموضوع التشبيه ما ذكرت.

وأصل التشبيه مع دخول الكاف وأمثالها أو كأن وما شاكلها كلها شيء بشيء في بيت واحد، إلى أن صنع امرؤ القيس في صفة عقاب:

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي

فشبه شيئين بشيئين في بيت واحد، واتبعه الشعراء في ذلك؛ فقال لبيد ابن ربيعة:

وجلا السيول عن الضلول كأنها ... زبر تجد متونها أقلامها

فشبه الطلول بالزبر والسيول بالأقلام، بل زاد فشبه جلاء هذه عن هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>