لأنه زاد حتى فاض عن جسدي ... فصار سقمي به في جسم كتماني
إلا أنه أخفاه وعقده كما ترى، حتى صار أحجية يتلاقاها الناس.
ومن أجود ما وقع في هذا النوع قول النابغة يصف طول الليل:
تقاعس حتى قلت: ليس بمنقضً ... وليس الذي يرعى النجوم بآيب
" الذي يرعى النجوم " يريد به الصبح، أقامه مقام الراعي الذي يغدو فيذهب بالإبل والماشية؛ فيكون حينئذ تلويحه هذا عجباً في الجودة، وأما من قال: إن الذي يرعى النجوم إنما هو الشاعر الذي شكا السهر وطول الليل؛ فليس على شيء. وزعم قوم أم الآيب لا يكون إلا بالليل خاصة، ذكره عبد الكريم.
ومن أنواع الإشارات الكناية والتمثيل، كما قال ابن مقبل وكان جافياً في الدين: يبكي أهل الجاهلية وهو مسلم، فقيل له مرة في ذلك فقال:
وما لي لا أبكي الديار وأهلها ... وقد رادها رواد عك وحميرا
وجاء قطا الأحباب من كل جانب ... فوقع في أعطاننا ثم طيرا
فكنى عما أحدثه الإسلام ومثل كما ترى.
ومن أنواعها الرمز: كقول أحد القدماء يصف امرأة قتل زوجها وسبيت:
عقلت لها من زوجها عدد الحصى ... مع الصبح أو مع جنح كل أصيل
يريد أني لم أعطها عقلاً ولا قوداً بزوجها، إلا الهم الذي يدعوها إلى عد الحصى، وأصله من قول امرئ القيس:
ظللت ردائي فوق رأسي قاعداً ... أعد الحصى ما تنقضي عبراتي