ومن مليح الرمز قول أبي نواس يصف كؤوساً ممزوجة فيها صور منقوشة:
قرارتها كسرى، وفي جنباتها ... مها تدريها بالقسي الفوارس
فللخمر ما زرت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
يقول: إن خد الخمر من صور هذه الفوارس التي في الكؤوس إلى التراقي والنحور، وزبد الماء فيها مزاجاً، فانتهى الشراب إلى فوق رءوسها، ويجوز أن يكون انتهاء الحباب إلى ذلك الموضع لما مزجت فأزبدت، والأول أملح، وفائدته معرفة حدها صرفاً من معرفة حدها ممزوجة، وهذا عندهم مما سبق إليه أبو نواس، وأرى والله أعلم إنما تحلق على المعنى من قول امرئ القيس:
فلما استطابوا صب في الصحن نصفه ... ووافى بماء غير طرقٍ ولا كدر
ويروي " ووافوا وإياه أردت، ويروى " استظلوا " من الظل مكان " استطابوا " جعل الماء والشراب قسمين لقوة الشراب، فتسلق الحسن عليه، وأخفاه بما شغل به الكلام من ذكر الصورة المنقوشة في الكؤوس، إلا أنها سرقة ظريفة مليحة، ولم يكن أبو نواس يرضى أن يتعلق بمن دون امرئ القيس وأصحابه.
وأصل الرمز الكلام الخفي الذي لا يكاد يفهم، ثم استعمل حتى صار الإشارة وقال الفراء: الرمز بالشفتين خاصة.
ومن الإشارات اللمحة، كقول أبي نواس يصف يوماً مطيراً: