فقوله " حرة " يدل على ما أراد في باقي البيت؛ إذ كان من شأن الحرة الخفر والحياء، ولذلك جعلها مخدرة، وشأن القيان والمملوكات التبذل والتبرج، وأما زعم من زعم أن قوله " حرة " إنما يريد خلوصها كما تقول: هذا العلق من حر المتاع؛ فخطأ؛ لأن الشاعر قد قال:" ليس لها في سمائها نور " فأي خلوص هناك؟ وكذلك قول حسان ويكون أيضاً تتبيعاً:
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يريد أنهم ملوك ذوو حاضرة ومستقر عز، ليسوا أصحاب رحلة وانتجاع.
ومن أخفى الإشارات وأبعدها اللغز، وهو: أن يكون للكلام ظاهر عجب لا يمكن، وباطن ممكن غير عجب، كقول ذي الرمة يصف عين الإنسان:
وأصغر من قعب الوليد ترى به ... بيوتاً مبناة وأودية قفرا
فالباء في به للإلصاق كما تقول " لمسته بيدي " أي: ألصقتها به وجعلتها آلة اللمس، والسامع يتوهمها بمعنى في، وذلك ممتنع لا يكون، والأول حسن غير ممتنع ومثله قول أبي المقدام:
وغلام رأيته صار كلباً ... ثم من بعد ذاك صار غزالا
فقوله صار إنما هو بمعنى عطف وما أشبهه من قول الله عز وجل:" فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك "، ومستقبله يصور، وقد قيل " يصير " وهي لغة قليلة، وليس صار التي هي من أخوات كان مستقبلها يصير فقط ومعناها استقر بعد تحول.
واشتقاق اللغز من ألغز اليربوع ولغز، إذا حفر لنفسه مستقيماً ثم أخذ يمنة ويسرة، يوري بذلك ويعمى على طالبه.
ومن الإشارات اللحن، وهو كلام يعرفه المخاطب بفحواه، وإن كان على