غير وجهه، قال الله تعالى: " ولتعرفنهم في لحن القول " وإلى هذا ذهب الحذاق في تفسير قول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً، وخير الحديث ما كان لحنا
ويسميه الناس في وقتنا هذا المحاجاة لدلالة الحجا عليه. وذلك نحو قول الشاعر يحذر قومه:
خلوا على الناقة الحمراء أرحلكم ... والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا
إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا
أراد " بالناقة الحمراء " الدهناء، و " بالجمل الأصهب " الصمان، " وبالذئاب " الأعداء، يقول: قد اخضرت أقدامهم من المشي في الكلأ والخصب، والناس كلهم إذا شبعوا طلبوا الغزو فصاروا عدواً لكم كما أن بكر بن وائل عدوكم..
ومثل ذلك قول مهلهل لما غدره عبداه وقد كبرت سنه وشق عليهما ما يكلفهما من الغارات وطلب الثارات، فأراد قتله، فقال:
أوصيكما أن ترويا عني بيت شعر، قالا: وما هو؟ قال:
من مبلغ الحيين أن مهلهلاً ... لله دركما ودر أبيكما
فلما زعما أنه مات قيل لهما: هل أوصى بشيء؟ قالا: نعم، وأنشدا البيت المتقدم، فقالت ابنته: عليكم بالعبدين فإنما قال أبي:
من مبلغ الحيين أن مهلهلاً ... أمسى قتيلاً بالفلاة مجندلا
لله دركما ودر أبيكما ... لا يبرح العبدان حتى يقتلا
فاستقروا العبدين أنهما قتلاه، ورويت هذه الحكاية لمرقش.
وسبيل المحاجاة أن تكون كالتعريض والكناية، وكل لغز داخل في الأحاجي، وقد حاجى شيخنا أبو عبد الله بعض تلاميذه فقال له:
أحاجيك عباد كزينب في الورى ... ولم تؤت إلا من حميم وصاحب