وإن الأعراب يعملون خيامهم من نبات الأرض التي ينزلونها، فإذا رحلوا تركوه واستأنفوا غيره من شجر البلد الذي ينزلون به، هكذا شرح العلماء هذا البيت المتقدم، ولا أرى الأعراب تذكر ذلك كثيراً في أشعارها، وإنما يتعاورون ذكر الوتد، اللهم إلا أن تكون الأعمدة وما شاكلها تنتخب وتحمل وإنما المطرح ما جعل فوقها وسد به خصاصها فدفع الحر والبرد فنعم، ولا شك أن هذا هو الصحيح، ويدل عليه قول جرير يذكر منزلاً:
فلا عهد إلا أن تذكر أو ترى ... ثماماً حوالي منصب الخيم باليا
فذكر الثمام مطرحاً، وقال أبو دواد:
عهدت لها منزلاً دائراً ... وآلا على الماء يحملن آلا
فالآل الأول: أعمدة الأخبية، والآل الثاني: الشخص الذي يرتفع عند اشتداد الحر، هكذا فسروه، منهم قدامة، والذي قال الحذاق: يعني أعمدة تحمل أعمدة مثلها ذكره أبو حنيفة، وقوله " على الماء " يعني الماء العد الذي هو المحضر يرجعون إليه بعد تبديهم وانقطاع ماء السماء، وقد أخبرك الشاعر على القول الأول أنهم يحملون أعمدة الأخبية والبيوت.
ومن أحسن ما وقع في هذا الباب من التتبيع قول حسان بن ثابت:
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
فقوله " حول قبر أبيهم " تتبيع مليح، أشار به إلى أنهم ملوك مقيمون لا يخافون فينتقلون من مكان إلى مكان، وأنهم في مستقر عز وأرض خصب