ذلك بها لوجب أن يلحق أكثر أصناف التقسيم، ولا تسع الخرق فيه حتى يستغرق أكثر الكلام.
قال صاحب الكتاب: معنى قوله فيما أنكر أن البيت إنما حقه أن يكون في باب المقابلة؛ لمقابلة الشاعر فيه كلمتين بكلمتين تقرباني من مضادتهما، وليستا بضدين على الحقيقة، ولو كانتا ضدين لم يكن ما زاد على لفظتين متضادتين أو مختلفتين إلا مقابلة، فإن لم يكن بين الألفاظ مناسبة البتة إلا الوزن سمى موازنة، وسأذكره في باب المقابلة إن شاء الله، هكذا جرت العادة في هذه التسمية.
وأما قولنا إن الكلمتين غير متفاوتتين فظاهر؛ لأن الحلم ليس ضده في الحقيقة الجهل، وإنما ضده السفه والطيش، وضد الجهل العلم والمعرفة وما شاكلهما، وكذلك المروح ليس ضده العزيب وإنما ضده المغدو به أو المبكر به، وما أشبههما ولما ثقل وزن المروح من هاتين اللفظتين وقل استعماله تسمحت فيهما، وأما العزيب فهو البعيد والغائب، ولا مضادة بينه وبين المروح إلا بعيدةً، كأنه يقول: إن هذا يأتي لوقته وذلك بعيد خفي لا يأتي ولا يعرف، على أنا نجد أبا تمام إمام الصنعة قد قال:
ولقد سلوت لو أن داراً لم تلح ... وحلمت لو أن الهوا لم يجهل
وقال زهير، وزعموا أنه لأوس بن الحجر:
إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا ... أصبت حليماً أو أصابك جاهل
لما وجده خلافاً له طابق بينها كما يفعل بالضد، وإن كان الخلاف مقصراً عن رتبة الضد في المباعدة، والناس متفقون على أن جميع المخلوقات: مخالف، وموافق، ومضاد، فمتى وقع الخلاف في باب المطابقة فإنما هو على معنى المسامحة وطرح الكلفة والمشقة، وأنشد غير واحد من العلماء لحسين بن مطير: