فما صبروا بلأس عند حرب ... ولا أدوا لحسن يدٍ ثوابا
فقدم ذكر الإنعام على المأسورين، وأخر ذكر القتل في البيت الأول؛ وأتى في البيت الثاني بعكس الترتيب، وذلك أنه قدم ذكر الصبر عند بأس الحرب وأخر ذكر الثواب على حسن اليد، اللهم إلا أن يريد بقوله فما صبروا لبأس عند حرب القوم المأسورين إذ لم يقاتلوا حتى يقتلوا دون الأسر وإعطاء اليد؛ فإن المقابلة حينئذ تصح وتترتب على ما شرطنا، وهذه عندهم تسمى مقابلة الاستحقاق، ويقرب منها قول أبي الطيب: وفعله ما تريد الكف والقدم لأن الكف من اليد بمنزلة القدم من الرجل، فبينهما مناسبة وليست مضادة، ولو طلبت المضادة لكان الرأس أو الناصية أولى، كما قال تعالى:" فيؤخذ بالنواصي والأقدام ".
ومن أناشيد المقابلة قول النابغة الجعدي:
فتى تم فيه ما يسر صديقه ... على أن فيه ما يسوء الأعادية
فقابل يسر بيسوء وصديقه بالأعادي، وهذا جيد؛ ولو كان كل مقابل على وزن مقابله في هذا البيت والبيت الذي أنشده قدامة أولاً لكان أجود..
وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي:
ويبقى بعد حلم القوم حلمي ... ويفنى قبل زاد القوم زادي
فقال يبقى بعد ثم قال يفنى قبل فهذا كما أردنا.
وقال الفرزدق:
وأنا لنمضي بالأكف رماحنا ... إذا أرعشت أيديكم بالمعالق