فرفع الناس رؤوسهم، وفتحوا عيونهم، وقالوا: نعاه إلى الجن والإنس، ثم أدركه اللين والفترة فقال: فكأنني أفطرت في رمضان يريد: إني بمجاهرتي بهذا القول كأنما جاهرت بالإفطار في رمضان نهاراً وكل أحد ينكر ذلك علي، ويستعظمه من فعلي، وهذا معنى جيد غريب في لفظ رديء غير معرب عما في النفس.
ومن أفضل الرثاء قول حسين بن مطير يرثي معن بن زائدة، ويروي لابن أبي حفصة:
فيا قبر معن، كنت أول حفرة ... من الأرض خطت للسماحة مضجعا
ويا قبر معن، كيف واريت جوده؟ ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
بلى وقد وسعت الجود والجود ميت ... ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا
فتى عيش في معروفه بعد موته ... كما كان بعد السيل مجراه مرتعاً
وما قصر أبو تمام في رثائه محمد بن حميد بالقصيدة التي يقول فيها:
ألا في سبيل الله من عطلت له ... فجاج سبيل الثغر وانثغر الثغر
فتى كلما فاضت عيون قبيلة ... دماً ضحكت عنه الأحاديث والنشر
وما مات حتى مات مضرب سيفه ... من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة ... تقوم مقام النصر إذ فاته النصر
وقد كان فوت الموت سهلاً فرده ... إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
ونفس تخاف العار حتى كأنما ... هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
فأثبت في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشر
وقد أجاد أيضاً في القصيدة التي رثى بها إدريس بن بدر السامي يقول فيها: