وعلى هذا السنن جرى الشعراء بعده؛ فقال أبو نواس يعزي الفضل بن الربيع عن الرشيد، ويهنئه بالأمين:
تعز أبا العباس عن خير هالك ... بأكرم حي كان أو هو كائن
حوادث أيام تدور صروفها ... لهن مساو مرة ومحاسن
وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى ... فلا الملك مغبون ولا الموت غابن
ويروى: فلا أنت مغبون واتبعه أبو تمام بالقصيدة التي أولها: ما للدموع تروم كل مرام يقولها للواثق بعد موت المعتصم، صرف الكلام فيها كيف شاء، وأطنب كما أراد، واحتج فيها فأسهب، وتقدم فيها على كل من سلك هذه الناحية من الشعراء، وأراد ابن الزيات مجاراته فعلم من نفسه التقصير فاقتصر على قوله:
قد قلت إذ غيبوك واصطفقت ... عليك أيد بالترب والطين
اذهب فنعم المعين كنت على الد ... نيا ونعم الظهير للدين
لن يجبر الله أمة فقدت ... مثلك إلا بمثل هارون
ومن جيد ما رثي به النساء وأشجاه وأشده تأثيراً في القلب وإثارة للحزن قول محمد بن عبد الملك هذا في أم ولده:
ألا من رأى الطفل المفارق أمه ... بعيد الكرى عيناه تبتدران
رأى كل أم وابنها غير أمه ... يبيتان تحت الليل ينتجيان
وبات وحيداً في الفراش تحثه ... بلابل قلب دائم الخفقان