وقال: أنا ولا أحد، وإلى كم أعيش لكم؟ وأي علم بين جنبي لو وجدت له مستودعاً؟ فإذا عورض في شعره بسؤال عن معنى فاسد أو متهم، أو طولب بحجة في لحنة أو شاذ، أو نواظر في كلمة من ألفاظ العرب مصحفة أو نادرة، قال: هكذا أعرف، وكأنما أعطي جوامع الكلم، حاش لله! وأستغفر الله، بل هو العمى الأكبر، والموت الأصغر، وبأي إمام يرضى، وإلى أي كتاب يرجع، وعنده أن الناس أجمعين بضعة منه، بل فضلة عنه، فهو كما قال حماد عجرد في يونس بن فروة:
أما ابن فروة يونس فكأنه ... من كبره أير الحمار القائم
ما الناس عندك غير نفسك وحدها ... والناس عندك ما خلاك بهائم
وأين من ذكر بشار بن برد حين قيل له: بم فقت أهل عمرك وسبقت أبناء عصرك: في حسن معاني الشعر، وتهذيب ألفاظه؟ قال: لأني لم أقبل كل ما تورده علي قريحتي، ويناجيني به طبعي، ويبعثه فكري، ونظرت إلى مغارس الفطن، ومعادن الحقائق، ولطائف التشبيهات، فسرت إليها بفكر جيد، وغريزة قوية، فأحكمت سبرها، وانتقيت حرها، وكشفت عن حقائقها، واحترزت عن متكلفها، ولا والله ما ملك قيادي الإعجاب بشيء مما آتي به.
وكم في بلدنا هذا من الحفاث قد صاروا ثعابين، ومن البغاث قد صاروا شواهين، إن البغاث في أرضنا يستنسر، ولولا أن يعرفوا بعد اليوم بتخليد ذكرهم في هذا الكتاي، ويدخلوا في جملة من يعد خطله، ويحصى زلله؛ لذكرت من لحن كل واحد منهم وتصحيفه وفساد معانيه وركاكة لفظه ما يدلك على مرتبته من هذه الصناعة التي ادعوها باطلاً، وانتسبوا إليها انتحالاً، وقد بلغني أن بعض من لا يتورع عن كذب، ولا يستحيي من فضيحة، زعم أني أخذت عنه