مسائل في هذا الكتاب لو سئل عنها الآن ما علمها، والامتحان يقطع الدعوى، كما قال بعض الشعراء:
من تحلى بغير ما هو فيه ... فضح الإمتحان ما يدعيه
وكنت غنياً عن تهجين هذا الكتاب بالإشارة إلى من أشرت إليه آنفاً من ذكره، وعزوفاً بهمتي عن الانحطاط إلى مساواته، ولكن رأيت السكوت عنه عجزاً وتقصيراً، كما قال أبو تمام:
ترك اللئيم ولم يمزق عرضه ... نقص على الرجل الكريم وعار
وكما قال أبو الطيب، وقد استحق المعنى عليه:
إذا أتت الإساءة من وضيع ... ولم ألم المسيء فمن ألوم؟
ثم أعود إلى التسطير فأطرح عن المحدث المولد ما كان من جنس تشبيه النعامة للطرماح، وصفة الثور الوحشي له أيضاً، وصفة مغارز ريش النعامة إذا أمرط للشماخ، ومثل بيت العنكبوت فيما يمتد من لغام الناقة تحت لحييها في شعر الحطيئة؛ وتشبيه الذباب بالأجذم، ولحيى الغراب بالجلم لعنترة، وأشباه هذا مما انفردت به الأعراب والبادية كعادتها، كانفرادها بصفات النيران، والفلوات الموحشة، وورود مياهها الآجنة، وتعسف طرقاتها المجهولة، إلى غير ذلك مما لا يعرف عياناً؛ إذ كان المحدث غير مأخوذ به، ولا محمول عليه، ألا ترى إلى أبي نواس وهو متقدم في المحدثين لما وصف الأسد وليس من معارفه، ولعله ما شاهده قط إلا مرة في العمر إن كان شاهده؛ دخل عليه الوهم فجعل عينيه بارزة وشبههما بعيون المخنوق، وقام عنده أن هذا أشنع وأشبه بشتامة وجه الأسد، وذهب عنه من صفة أبي زبيد وغيره لغؤور عينيه مما هو أعلم به ممن أخذ عليه، وأكثر ظني والله أعلم أن أبا نواس إنما رجع بالصفة