هجرتنا يقظى وكادت على مذ ... هبها في الصدود تهجر وسنى
قال: هذا غلط؛ لأن خيالها يتمثل له في كل أحوالها، يقظى كانت أو وسنى أو ميتة، والجيد قوله:
أرد دونك يقظاناً ويأذن لي ... عليك سكر الكرى إن جئت وسنانا
وأنا أقول: إن مراده أنها لشدة هجرها له ونحوها عليه لا تراه في المنام إلا مهجوراً، ولا تراه جملة، فالمعنى حينئذ صحيح لا فساد فيه، ولا غلط، ولعل الرواية وكادت وهذا موجود في كلام الناس اليوم، ومثله يقولون:" فلان لا يرى لي مناماً صالحاً " وليس بين بيتي البحتري تناسب من جهة المعنى جملة واحدة؛ لأنه أولاً يحكي عنها، وثانياً يحكي عن نفسه، بلى إن في اللفظ اشتراكاً ظاهراً.
وفي كتاب عبد الكريم من المأخوذ على أبي تمام قوله:
مها الوحش إلا أن هاتا أوانس ... قنا الخط إلا أن تلك ذوابل
قال: فيه غلط من أجل أنه نفى عن النساء لين القنا، وإنما قيل للرماح ذوابل للينها وتثنيها، فنفى ذلك أبو تمام عن قدود النساء التي من أكمل أوصافها اللين والتثني والانعطاف.
قلت أنا: أما أبو تمام فقوله الصواب؛ لأنهم يقولون رمح ذابل إذا كان شديد الكعوب صلباً، وهو الذي تعرف العرب، ومنه قولهم:" ذبلت شفتاه " إذا يبستا من الكرب أو العطش أو نحوهما، فأما كلام المعترض فغير معروف إلا عند المولدين؛ فإنهم يقولون:" نوارة ذابلة " وليسوا بقدوة؛ على أن كلامهم راجع إلى ما قلناه، إنما ذلك لقلة المائية وابتداء اليبس، وإنما نقل عبد الكريم كلام ابن بشر الآمدي.