قال الأصمعي: قرأت على أبي محرز خلف بن حيان الأحمر شعر جرير، فلما بلغت إلى قوله:
وليل كإبهام الحباري محبب ... إلي هواه غالب لي باطله
رزقنا به الصيد الغرير ولم نكن ... كمن نبله محرومة وحبائله
فيا لك يوماً خيره قبل شره ... تغيب واشيه وأقصر عاذله
قال خلف: ويحه، ما ينفعه خير يؤول إلى شر؟ فقلت: هكذا قرأته على أبي عمرو بن العلاء، قال: صدقت، وكذا قال جرير، وكان قليل التنقيح لألفاظه، وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع، قلت: فكيف يجب أن يكون قال: الأجود أن يكون " خيره دون شره " فاروه كذلك، وقد كانت الرواة قديماً تصلح أشعار الأوائل، فقلت: والله لا أرويه إلا كذا.
قلت أنا: أما هذا الإصلاح فمليح الظاهر، غير أنه خلاف الظاهر، وذلك أن الشاعر أراد أنه كان ليلة في وصال، ثم فارق حبيبه نهاراً، وذلك هو الشر الذي ذكر، والرواية جعله لم يفارق فغير عليه المعنى، إلا أن تكون الرواية ويوم كإبهام الحبارى فحينئذ.. على أن دون تحتمل ما قصد، وتحتمل معنى قبل؛ فهي لفظة مشتركة، وتكون أيضاً بمعنى بعد؛ لأنها من الأضداد، ولكن في غير هذا الموضع. وخطأ الأصمعي بشامة بن الغدير في قوله يصف راحلته:
وصدر لها مهيع كالحليف ... تخال بأن عليه شليلا
لأن من صفة النجائب قلة الوبر وخطأ أيضاً كعب بن زهير في قوله يصف راحلته: فعم مقيدها ضخم مقلدها لأن النجائب دقيقات المذابح.