للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرأي، وانكب على حفظ الأحاديث النبوية، وأول ما بدأ بحفظه حديث الإمام مالك فيقول عن نفسه: "أول شيء أخذت نفسي تحفظه من الحديث، حديث مالك، فلما حفظته، ووعيته طلبت حديث الثوري وشعبة، وغيرهما .. " (١) ولم يهتم بتلك الفترة بحفظ آراء الفقهاء وفقههم، ومناظرة أتباعهم فيحدثنا عن نفسه أيام لقائه بإسماعيل بن يحيى المزني (٢) فيقول: "ما أعلم أني أتيت المزني إلا مرة واحدة مررت به وهو قاعد فسلم عليّ فاستحييت منه فجلست إليه ساعة، فقلت له- القائل ابن أيى حاتم- سألته عن شيء أو جرى بينك وبينه شيء؟ قال: لا لم يكن لي نهمة (٣) في الكلام والمناظرة في تلك الأيام، وإنما كان نهمتي في كتابة الحديث" (٤)، إلا أنه بعد هذه الفترة التي استوعبت حافظته فيها معظم الطرق والروايات للأحاديث النبوية أخذ يهتم بتدوين مسائل الصحابة، والتابعين ثم آراء ومسائل الفقهاء من أتباع التابعين. فنقل عنه أنه قال: "فلما تناهيت في حفظ الحديث نظرت في رأي مالك والثوري، والأوزاعي وكتبت كتب الشافعي (٥)، وروى عنه أنه قال: "رأيت فيما يرى النائم كأني في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكأني أمسح يدي على منبر النبي صلى الله عليه وسلم موضع المقعد والذي يليه والذي يليه ثم أمسكته، فقصصته على رجل من أهل سجستان كان معنا بحران. فقال: هذا أنت تعنى بحديث النيي صلى الله عليه


(١) انظر: الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص ٣٢.
(٢) إسماعيل بن يحيى بن عمرو بن مسلم، أبو إبراهيم المزني وكان فقيها عالما راجح المعرفة جليل القدر في النظر عارفا بوجوه الكلام والجدل حسن البيان مقدما في مذهب الشافعي وقوله وإتقانه وله على مذهب الشافعي كتب كثيرة لم يلحقه أحد فيها ولقد أتعب الناس بعده منها المختصر الكبير نحو ألف ورقة، والصغير الذي عليه العمل نحو من ثلاثمائة ورقة، وكان تقيا ورعا دينا صبوراً، ت ٢٦٤ هـ. انظر: الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص ١١٠.
(٣) النهمة الحاجة وقيل بلوغ الهمة والشهوة في الشيء. انظر: لسان العرب ج ١٦ ص ٧٣، وورد في نسخة أخرى من الجرح والتعديل بلفظ (همة)، والهمة: ما همَّ به من أمر ليفعله. انظر: لسان العرب ج ١٦ ص ١٠٥.
(٤) انظر: الجرح والتعديل ج ١/ ق ١/ ٢٠٤.
(٥) ا نظر: الانتقاء ص ٣٢.