للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يونس (١) وسلمة بن عقار البغدادي (٢) - الذي روى عن معروف الكرخي، وفضيل بن عياض، وغيرهما (٣) -، وغير هؤلاء، ولقد كان يحرص على تتبع أخبارهم وأحوالهم، وحفظ أقوالهم (٤)، ولقد كان منهجه في الزهد معتدلا، ممدوحا نلمسه من قوله الذي سمعه ابن أبي حاتم. يقول أبو زرعة: "لو كان لي صحة بدن على ما أريد كنت أتصدق بمالي كله، وأخرج إلى طرسوس أو إلى ثغر من الثغور، وآكل من المباحات وألزمها"، ثم قال: "إني لألبس الثياب لكي إذا نظر إلي الناس لا يقولون قد ترك أبو زرعة الدنيا، ولبس الثياب الدون، وإني لآكل ما يقدم إليّ من الطيبات، والحلواء لكي لا يقول الناس إن أبا زرعة لا يأكل الطيبات لزهده، وإني لآكل الشيء الطيب، وما مجراه عندي، ومجرى غيره من الأدم إلا واحد، وألبس الثياب الجياد، ودونه من الثياب عندي واحد، لأن جميعاً يعملان عملاً واحداً، ومن أحب أن يسلم من لبسه الثياب يلبسه لستر عورته فإنه إذا نوى هذا، ولم ينو غيره سلم" (٥). وسمعه يقول أيضاً: "كنت فيما مضى وأنا صحيح، وربما أخذتني الحمى فأضعف، وأجد لذلك ألماً، وأنا اليوم ربما حممت، وربما لم أحم فلا أجد لشيء مما أنا فيه ألماً أظن في نفسي أنه كذا ينبغي أن يكون" (٦).

ومنهجه هذا يدل على تأثره بسفيان الثوري، وأحمد. قال سفيان: "الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس العباء" (٧). "وسئل أحمد بن حنبل عن الرجل يكون معه ألف دينار، هل يكون زاهداً؟ فقال: نعم، على شريطة أن لا يفرح إذا زادت، ولا يحزن إذا نقصت" (٨). ولقد كان رحمه الله يستمع لنصيحة الزهاد الصالحين، ويلتزم بها


(١) سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي، أبو الحارث العابد ت ٢٣٥ هـ. انظر: تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٤٥٨ والجرح والتعديل ج ٢/ ق ١/ ٣٠٥.
(٢) سلمة بن عقار حدث عن فضيل بن عياض ومعروف الكرخي، وسفيان بن عيينة وغيرهم. قال عنه يحيى بن معين: ثقة مأمون. انظر: تاريخ بغداد ج ٩ ص ١٣٤.
(٣) انظر: الجرح والتعديل ج ٢/ ق ١/ ١٦٧.
(٤) انظر: طبقات الحنابلة ج ١ ص ٢٠٢، والمنهج الأحمد ج ١ ص ١٥٠.
(٥) انظر: مقدمة الجرح والتعديل ص ٣٤٨.
(٦) انظر: المصدر السابق.
(٧) انظر: مدارج السالكين ج ٢ ص ١٠.
(٨) انظر: مدارج السالكين ج ٢ ص ١١.