للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ب -

وجنوبها لا يفتأ راحلا وقد يرحل إلى بلد ما عدة مرات، ويطيل المكث في بلده شهورة طويلة، لوفرة من فيها من أهل العلم.

وهو في هذه البلدة غريب فقير، ينفق ولا يكتسب، بل يبيع بعض مقتنياته الخاصة به جدا، لتحصيل العلم والكتب، همه الازدياد من الكتابة ولقاء الشيوخ، لا يجد فراغا للطعام إلا لما خف وسهل، حتى قال عن نفسه - وقد استغرق في إحدى رحلاته أربع سنوات ونصف السنة: «ما أعلم أني طبخت فيها قدرة بيد نفسيه» (١).

وبهذه البداية المحرقة وصل إلى تلك النهاية المشرقة، نجده يقول: «إن في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة، ولم أطالعه منذ كتبته، وإني أعلم في أي كتاب هو، في أي ورقة هو، في أي صفحة هو، في أي سطر هو» (٢)!!

ومن الناحية العملية نجد رجلا قد بت هذه الدنيا وزخارفها، وأقبل بكليته على الآخرة يرجو الدخول فيها عن طريق المرابطة في سبيل الله وحراسة ثغور الاسلام.

يقول معبرة عن هذه الرغبة: لو كان لي صحة بدن على ما أريد كنت أتصدق بمالي كله وأخرج إلى طرطوس أو إلى ثغر من الثغور، وآكل المباحات وألزمها (٣).

ويتندم على ما فرط منه في شبابه أيام رحلاته الطويلة فإنه دخل ثغورة كثيرة: دخل قزوين والرها، وطرسوس، وبيروت. . . بنية كتابة الحديث وسماعه من الشيوخ، ولم يدخلها مرة واحدة بقصد المرابطة! ذكر هذا عن نفسه متأسفا فقال: (لا أعرف لنفسي رباطًا خلصت نيتي فيه. ثم بكي) (٤) لعله يتدارك بعض ما فاته.


(١) انظر: الفصل الثالث من هذه الدراسة.
(٢) انظر: الفصل السابع.
(٣) انظر: الفصل الثامن.
(٤) انظر: الفصل الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>