والدراسات الشاملة المستوعبة توقف القراء على كثير من هذه النماذج الحية في صدر الاسلام وسلف الأمة، وتبرز نوادر مذهلة كانت في حياتهم، وما أكثرها! وما أندرها في حياتنا وما أحوجنا إليها! لتستنهض هممنا وترفعنا عن حضيض الدعة والمادة.
كما يجد القاريء فيها الكثير من بحوث علمية شيقة تمتاز بالاستقراء والجدة. . . فأبو زرعة - كغيره من أئمة الحديث - معروف بكثرة الشيوخ، إلا أن مصدرًا من مصادر ترجمته لم يعدد فلانًا وفلانًا منهم إلى أن يصل به العدد إلى ٥٥٦ شيخا يأخذ عنهم تلقيًا وشفاهًا، و ٢٤ شيخًا آخرين يروى عنهم بالكتابة و ١٤ شيخًا تحمل عنهم ثم ترك الرواية عنهم! فيكون مجموعهم ٥٩٤ شيخًا!! نجد إحصاء ذلك في الفصل الرابع من هذه الدراسة مجموعًا مستقصي من مصادر ترجمته المطبوع منها والمخطوط.
أما بعض ما في هذه الدراسة من جديد: فقد اشتهر بين أهل الحديث الخلاف في مسألة اشتراط ثبوت اللقاء بين الرواي وشيخه، كما هو مذهب البخاري وشيخه علي بن المديني، أو الاكتفاء بإمكان اللقاء بينهما، كما هو مذهب مسلم، فأبان الاستاذ جزاه الله خيرا أن مذهب أبي زرعة في هذه المسألة كمذهب الإمام أحمد وأبي حاتم الرازي (أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكي عنها أنه يعتبر أحد أمرين إما السماع وإما اللقاء، وأحمد ومن تبعه عندهم لا بد من ثبوت السماع» (١).
وكانت خاتمة الباب الأول فصلا هو أهم فصول الدراسة علمية، إذ فيه بيان منهج الإمام أبي زرعة في علل الحديث، وفي مقدمة الفصل كلمة عن العلة وسبيل كشفها والوقوف عليها، ثم استقراء مطول لأهم الأساليب التي اتبعها أبو زرعة في تعليل الأحاديث، وذلك من خلال كتاب (علل الحديث) لابن أبي حاتم، فبلغ عدد طرق ذلك عنده ١٦ طريقا.
وفي الباب الثاني يعيش القاريء مع الإمام أبي زرعة وتلميذه المدون لقسط وفير من علمه في الجرح والتعديل أبي عثمان سعيد بن عمرو البرذعي، فالتلميذ