للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سأبدأه بأقوال أئمة الجرح والتعديل في قبول أقوال العلماء بعضهم في بعض، ثم أذكر فتنة خلق القرآن بإيجاز.

وأحسب أني قد وفقت فيه في التوفيق والجمع بين الأقوال وانصاف كل واحد منهم، وما علينا إلا التأدب معهم والإلتزام بالعدل والنظر بعين التقدير والاحترام فهم من سادة الأمة الذين أفنوا حياتهم في الله والكلام فيهم وفي أمثالهم، ينبغي أن يطوى ولا يروى وحسبي الله ونعم الوكيل.

أقوال العلماء في تجريح بعضهم لبعض:

لقد اهتم الأئمة المتقدمون بعلوم الحديث اهتماماً عظيما، وعنوا به عناية فائقة لاتبقي مجالاً للشك في إتقانهم للميراث النبوي، وخاصة معرفة الرجال - علم الجرح والتعديل- لأنه الأساس العظيم الذي يقوم عليه بناء السنة النبوية، قال علي بن المديني: "معرفة الرجال نصف العلم" (١)، وكانوا على درجة عالية من الورع والضبط والاتقان، وكانوا لا يتحرجون من الكلام على أقرب المقربين لهم إن ثبت عليه التجريح فهذا علي بن المديني جرح أباه (٢)، وكذا جرح أبو داود السجستاني ابنه، إلا أن فريقاً منهم مع هذه الدقة والتشدد والورع تكلم في بعض أقرانه أو من تقدم عليه بالطبقة أو المنزلة بين المؤمنين فجرحه بسبب اعتقاد أو قلة ضبط أو غير ذلك من الأسباب، قال ابن دقيق العيد: "والوجوه التي تدخل الآفة منها خمسة:

١ - الهوى والغرض وهو شرها، وهو في تاريخ المتأخرين كثير.

٢ - المخالفة في العقائد.

٣ - الاختلاف بين المتصوفة، وأهل علم الظاهر.

٤ - الكلام بسبب الجهل بمراتب العلوم، وأكثر ذلك في المتأخرين لاشتغالهم بعلوم الأوائل، وفيها الحق والباطل.


(١) انظر: مقدمة الذهبي في تذهيب تهذيب الكمال؛ وانظر: المحدث الفاضل ص ٣٢٠.
(٢) انظر: الإعلان بالتوبيخ ص ٤٨٨.