للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما وسعهم يكرر هذه الكلمة (١). وكان ذلك من الأسباب في خمود الفتنة وإن كان رفعها بالكلية إنما كان على يد المتوكل" (٢) وهكذا ثبت الله عز وجل الإمام أحمد في هذه الفتنة العظيمة وما نجاه من ذلك إلا صدقه. قال أبو زرعة: "قلت لأحمد بن حنبل: كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال: لو وضع الصدق على جراح لبرئ" (٣) ولموقفه وصلابته أثنى عليه الأئمة والفقهاء

والزهاد ويكفي في هذا ما قاله الإمام الزاهد بشر الحافي فيه. قال: "أدخل أحمد الكير فخرج ذهباً أحمر. قال علي- راوي الخبر- فبلغ ذلك أحمد فقال: الحمد لله الذي رضي بشراً ما صنعنا" (٤) وقال له أصحابه حين ضرب أحمد بن حنبل: "يا أبا نصر لو أنك خرجت فقلت إني على قول أحمد بن حنبل. فقال بشر: أتريدون أن أقوم مقام الأنبياء؟ إن أحمد بن حنبل قام مقام الأنبياء" (٥) وقال عن الذين أجابوا بالفتنة "وددت أن رؤوسهم خضبت بدمائهم وإنهم لم يجيبوا" (٦) من أجل هذا عاب أحمد على من امتحن فأجاب وترك الرواية عنه؛ لأنه كان يرى أن هؤلاء هم الطبقة المتقدمة الذين يقتدي بهم أفراد المجتمع؛ ولأن بعضهم كان متصدراً للإمامة في العلم أو الزهد ولقد اعترض البعض على التشدد في الانكار والتأديب لبعض هؤلاء الأئمة فتولى الحافظ أبو الفرج بن الجوزي الرد على من اعترض فقال: "فإن قال قائل: إذا ثبت أن القوم أجابوا مكرهين فقد استعملوا الجائز، فلم هجرهم أحمد؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها أن القوم توعدوا ولم يضربوا فأجابوا، والتوعد ليس بإكراه وقد بان هذا بما ذكرناه من حديث يحيى بن معين. والثاني إنه هجرهم على وجه التأديب ليعلم عظم القول الذي أجابوا عليه فيكون ذلك حفظاً لهم من الزيغ والثالث يقال: إن معظم القوم لما أجابوا قبلوا الأموال وترددوا إلى القوم وتقربوا منهم ففعلوا ما لا يجوز فلهذا


(١) وقد روى الخطيب بسنده إلى المهتدي أن الواثق مات وقد تاب عن القول بخلق القرآن. انظر: تاريخ بغداد ج ١٤/ ١٨.
(٢) انظر: طبقات الشافعية ج ٢/ ٥٥ ومناقب الإمام أحمد ص ٣٥٤ - ٣٥٥.
(٣) انظر مناقب الإمام أحمد ص ٣٥٠.
(٤) انظر مناقب الإمام أحمد ص ١١٧.
(٥) انظر مناقب الإمام أحمد ص ١١٨ وطبقات الحنابلة ج ١/ ١٣.
(٦) انظر مناقب الإمام أحمد ص ٣٩٣.