للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخاف أن يقع شراً لا يقام له، فلما قال: قد سلمته إليكم صحيح البدن، هدأ الناس وسكتوا" (١).

قال ابن الجوزي: "ولي الواثق أبو جعفر هارون بن المعتصم في ربيع الأول سنة (٢٢٧)، وحسن له ابن أبي داود امتحان الناس بخلق القرآن، ففعل ذلك ولم يعرض لأحمد إما لما علم من صبره، أو لما خاف من تأثير عقوبته لكنه أرسل إلى أحمد بن حنبل: لا تساكني بأرض فاختفى أحمد بقية حياة الواثق فما زال يتنقل في الأماكن، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر فاختفى فيه إلى أن مات الواثق (٢) ولما ولي المتوكل على الله بعد الواثق في يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة (٢٣٢)، وسنة ست وعشرون سنة يومئذ أظهر الله عز وجل به السنة وكشف تلك الغمة ونهى عن القول بخلق القرآن، وكتب بذلك إلى الآفاق، وتوفر دعاء الخلق له، وبالغوا في الثناء عليه والتعظيم له، حتى قال قائلهم: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق يوم الردة وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السنة (٣). ولقد استمرت فتنة خلق القرآن من سنة (٢١٨) إلى سنة (٢٣٤).

وكان من الأسباب في رفع الفتنة أن الواثق أتى بشيخ مقيد، فقال له ابن أبي داود يا شيخ ما تقول في القرآن، أمخلوق هو؟ فقال له الشيخ: لم تنصفني المسألة! أنا أسألك قبل الجواب: هذا الذي تقوله يا ابن أبي داود من خلق القرآن، شيء علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، أو جهلوه؟ فقال: بل علموه. فقال: فهل دعوا إليه الناس كما دعوتهم أنت، أو سكتوا؟ قال: بل سكتوا. قال: فهلا وسعك ما وسعهم من السكوت؟ فسكت ابن أبي داود، وأعجب الواثق كلامه، وأمر بإطلاق سبيله، وقام الواثق من مجلسه وهو على ما حكى يقول: هلا وسعك


(١) انظر: مناقب الإمام أحمد ص ٣٤٠.
(٢) انظر: مناقب الإمام أحمد ص ٣٤٨ - ٣٤٩.
(٣) مناقب الإمام أحمد ص ٣٥٦ وطبقات الشافعية ج ٢/ ٥٤.