للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين. قال: فضربت ثمانية عشر سوطاً بدل ما ضرب ثمانية عشر ألفاً، وخرج الخادم فقال: عفى عنه أمير المؤمنين. قال ابن الجوزي رحمه الله: وقد ذكر إبراهيم بن محمد بن عرفة في تاريخه أن أحمد ضرب ستة وثلاثين" (١). أقول يمكن أن يكون هذا مجموع ما ضرب من بداية الفتنة إلى نهايتها.

وهكذا ظل موقف الإمام أحمد بن حنبل من فتنة خلق القرآن، ولقد دعا المعتصم أحمد مرتين في مجلسين يطول شرحهما وهو يدعوه إلى البدعة، وأحمد رضي الله عنه يأبى عليه أشد الإباء، وذكروا أن المعتصم لان في أمر أحمد، لما علق في العقابين، ورأى ثبوته وتصميمه وصلابته في أمره، حتى أغراه ابن أبي داود وقال له: إن تركته قيل إنك تركت مذهب المأمون وسخت قوله فهاجه ذلك على ضربه. ولقد تركت ذكر مجالس تعذيب الإمام أحمد رضي الله عنه خشية الإطالة (٢) ولقد ذكر الأئمة روايات كثيرة وطويلة تتعلق بمحنة الإمام وتعذيبه ثم إن المعتصم، قال: "والله لئن أجابني لأطلقن عنه بيدي، ولأركبن إليه بجندي، ولأطأن عقبه، ثم قال يا أحمد والله إني عليك لشفيق وأني لأشفق عليك كشفقتي على هارون ابني ما تقول؟ فأقول: أعطوني شيئاً من كتاب الله عز وجل، أو سنة رسوله … " (٣) وكان مكث الإمام في السجن مذ أخذ وحمل إلى أن ضرب وخلي عنه ثمانية وعشرين شهرا (٤). قال أبو زرعة: "دعي المعتصم بعم أحمد بن حنبل، ثم قال للناس: تعرفونه؟ قالوا: نعم هو أحمد بن حنبل، قال: فانظروا إليه هو صحيح البدن؟ قالوا: نعم ولولا إنه فعل ذلك لكنت


(١) انظر: مناقب الإمام أحمد ص ٣٣٣ - ٣٣٤.
(٢) لقد اهتم أصحاب الطبقات وكتب التاريخ والمناقب بسردها انظر مثلا حلية الأولياء ج ١٠/ ٢٠٤ - ٢٢٠ وطبقات الشافعية ج ٢/ ٤٢ - ٥١ ومناقب الإمام أحمد من ص ٣٠٨ - ٣٥٦ وغيرها.
(٣) انظر: مناقب الإمام أحمد ص ٣٢٣.
(٤) انظر: طبقات الشافعية ج ٢/ ٥٠ ومناقب الإمام أحمد ص ٣٢٨.