من ذلك تأدب البرذعي مع شيخه أبي زرعة أن لا يذكر أمامه أحدا لا يرتضيه، بل يكنى عنه.
ذكر أبو عثمان حديث (الرويبضة: الفاسق الذي يتكلم في أمر العامة) فقال: (لم أجترأ أن أذكر له أنه من رواية هذا الرجل، لأنه لم يكن يرضاه! فقلت له: هو هذا الشامي).
ولعل هذا الكتاب أقدم كتاب كشف لنا عن التحريف الذي وقع في تفسير قوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين} وبين لنا فيه أبو زرعة -رحمه الله- من الذي حصل له هذا التحريف.
قال البرذعي -رحمه الله-: قال لي أبو زرعة: حدثنا أبو سعيد الجعفي، قال: حدثنا يحيى بن سلام، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله (سأريكم دار الفاسقين) قال: مصر.
وجعل أبو زرعة يعظم هذا ويستقبحه.
قلت: فأيش أراد بهذا؟ قال: هو في تفسير سعيد - ابن أبي عروبة-: عن قتادة: (مصيرهم).
وفي الكتاب من غرر أخبار العلم والعلماء ما يوجب إخراجه وتقديمه إلى الناس، من ذلك هذا الخبر الذي لا تقول فيه: إنه خبر مفيد، أو: لا يخلو من فائدة، بل نقول: إنه الفائدة أنى تناولتها بالدراسة والتحليل.
قال أبو زرعة: (كنت بالرملة، فرأيت شيخة جالسا بحذائي إذا نظرت إليه سبح، وإذا لم أنظر إليه سكت، فقلت في نفسي: هذا شيخ يتصنع لي، فسألت عنه؟ فقالوا: هذا محمد بن أيوب بن سويد.
فقلت لبعض أصحابنا: اذهب إليه، فأتيناه، فأخرج إلينا كتب أبيه أبوابًا مصنفة بخط أيوب بن سويد، وقد بيض أبوه كل باب، وقد زيد في البياض أحاديث بغير الخط الأول، فنظرت فيها، فإذا الذي بخط الأول أحاديث صحاح، وإذا الزيادات أحاديث موضوعة ليست من حديث أيوب بن سويد.
فقلت: هذا الخط الأول خط من هو؟ فقال: خط أبي. فقلت: هذه الزيادات خط من هو؟ قال: خطي. قلت: فهذه الأحاديث من أين جئت بها؟