للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا فيهِ إشارةٌ إلى أن (١) عاشوراءَ ليسَ هوَ في المحرَّمِ، بل يُحْسَبُ بحسابِ السَّنةِ الشّمسيّةِ كحسابِ أهلِ الكتاب، وهذا خلافُ ما عليهِ عملُ المسلمينَ قديمًا وحديثًا! وفي "صحيح مسلم" (٢) عن ابن عَبَّاسٍ؛ أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَعُدُّ مِن هلالِ المحرَّمِ ثمَّ يُصْبِحُ يومَ التَّاسعِ صائمًا (٣). وابنُ أبي الزِّنادِ لا يُعْتَمَدُ على ما يَنْفَرِدُ بهِ، وقد جَعَلَ الحديثَ كلَّهُ عن زَيْدِ بن ثابِتٍ، وآخرُهُ لا يَصْلُحُ أنْ يَكونَ مِن قولِ زَيْدٍ، فلعلَّهُ مِن قولِ مَن دونَهُ. واللهُ أعلم.

وكانَ طائفةٌ مِن السَّلفِ يَصومونَ عاشوراءَ في السَّفرِ؛ منهُمُ: ابنُ عَبَّاس، وأبو إسْحاقَ السَّبِيعِيُّ، والزُّهْرِيُّ وقالَ: رمضانُ لهُ عدَّةٌ مِن أيَّامٍ أُخرَ وعاشوراءُ يَفوتُ. ونَصَّ أحْمَدُ على أنّهُ يُصامُ عاشوراءُ في السَّفرِ.

ورَوَى عَبْدُ الرَّزّاقِ في كتابِهِ: عن إسْرائيلَ، عن سماكِ بن حَرْبٍ، عن مَعْبَدٍ القُرَشِيِّ؛ قالَ: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقُدَيْدٍ، فأتاهُ رجلٌ، فقالَ لهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أطَعِمْتَ اليومَ شيئًا (ليومِ عاشوراءَ)؟ ". قالَ: لا؛ إلَّا أنِّي شَرِبْتُ ماءً. فقالَ: "فلا تَطْعَمْ شيئًا حتَّى تَغْرُبَ الشَمسُ، واؤْمُرْ مَن وَراءَكَ أنْ يَصوموا هذا اليومَ" (٤). ولَعَلَّ المأْمورَ كانَ مِن أهلِ قُدَيْدٍ.


= الزناد، وفيه كلام كثير، وقد وثّق". قلت: خلاصة أمره أنّ حديث أهل المدينة عنه حسن وحديث أهل العراق ليّن، وهذا من حديث العراقيّين، وفيه غرابة وإشكال، فلا يحتمل منه. على أنّ في السند علّة إخرى، وهي الجواربيّ هذا؛ فإني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، وقد روى عنه جماعة، فحدّه الستر. ومن هنا تعلم أنّ تحسين العسقلاني لهذا السند مرّة وتجويده أُخرى في "الفتح" لا يخلو من تساهل. والله أعلم.
(١) في خ: "إشارة على أنّ"، والصواب ما أثبتّه من م ون وط.
(٢) (١٣ - الصيام، ٢٠ - أيّ يوم يصام، ٢/ ٧٩٧/ ١٣٣).
(٣) كذا ذكره يرحمه الله بالمعنى، ولا يخلو من نظر. والذي في "الصحيح" أنّ الحكم بن الأعرج قال لابن عبَّاس: أخبرني عن صوم عاشوراء. فقال: إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائمًا. قال الحكم: هكذا كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يصومه؟ قال ابن عبّاس: نعم. وإنّما قال ابن عبّاس نعم باعتبار ما سيكون لو عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قابل، وإلّا؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يصبح يوم العاشر صائمًا.
(٤) (حسن). رواه: عبد الرزّاق (٧٨٣٥)، والطبراني (٢٠/ ٣٤٢/ ٨٠٣)، وأبو نعيم في "الصحابة" (٤/ ١٦٣ - غابة)، وأبو موسى في "الصحابة" (٤/ ١٦٣ - غابة)؛ من هذه الطريق.
قال الهيثمي (٣/ ١٩٠): "رجاله ثقات". قلت: في سماك كلام لا ينزل بحديثه هذا عن رتبة الحسن ولا سيّما أنّ الشواهد لا تعوزه.

<<  <   >  >>