للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنتَ" (١).

وفي الدُّعاءِ الذي عَلَّمَهُ - صلى الله عليه وسلم -[لـ]ــــلصِّدِّيقِ أنْ يَقولَهُ في صلاتِهِ: "اللهمَّ! إنِّي ظَلَمْتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يَغْفِرُ الذُنوبَ إلَّا أنتَ، فاغْفِرْ لي مغفرة مِن عندِكَ وارْحَمْني؛ إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ" (٢).

وفي حديثِ شَدَّادِ بن أوس عن النّبي - صلى الله عليه وسلم -: "سيِّدُ الاستغفارِ أنْ تقولَ العبدُ اللهمَّ! أنتَ ربي، لا إلهَ إلَّا أنتَ، خَلَقْتَني، وأنا عبدُكَ، وأنا على عهدِكَ ووعدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعوذُ بكَ مِن شرِّ ما صَنَعْتُ، أبوءُ بنعمتِكَ عليَّ وأبوءُ بذنبي، فاغْفِرْ لي؛ إنهُ لا يَغْفِرُ الذُنوبَ إلَّا أنتَ" (٣).

الاعترافُ يَمْحو الاقترافَ، كما قيلَ:

وإنَّ اعْتِرافَ المَرْءِ يَمْحو اقْتِرافَهُ … كَما أنَّ إنْكارَ الذُنوبِ ذُنوبُ

لمَّا أُهْبِطَ آدَمُ عليهِ السَّلامُ مِن الجنّةِ بكى على تلكَ المعاهدِ - فيما يُرْوَى - ثلاثَ مئةِ عامٍ، وحُقَّ لهُ ذلكَ؛ كانَ في دارٍ لا يَجوعُ فيها ولا يَعْرى ولا يَظْمَأُ فيها ولا يَضْحى، فلمَّا نَزلَ إلى الأرضِ؛ أصابَهُ ذلكَ كلُّهُ، فكانَ إذا رَأى جبريلَ يَتَذَكَّرُ برؤيتِهِ تلكَ المعاهدَ، فيَشْتَدُّ بكاؤُهُ حتَّى يَبْكيَ جبريلُ لبكائِهِ وتقولَ لهُ: ما هذا البكاءُ يا آدَمُ؟ فيَقولُ: وكيفَ لا أبْكي وقد أُخْرِجْتُ مِن دارِ النعمةِ إلى دارِ البؤسِ؟! فقالَ لهُ بعضُ ولدِهِ: لقد آذَيْتَ أهلَ الأرضِ ببكائِكَ. فقالَ: إنّما أبكي على أصواتِ الملائكةِ حولَ العرشِ. وفي روايةٍ: قالَ: إنَّما أبكي على جوارِ ربِّي في دارٍ تربتُها طيِّبةٌ أسْمَعُ فيها أصواتَ الملائكةِ. وفي روايةٍ: قالَ: إنَّما أبْكي على دارٍ لو رَأيْتَها لَزَهَقَتْ نفسُكَ شوقًا إليها.

ورُوِيَ أنَّهُ قالَ لولدِهِ: كنَّا نسلًا مِن نسلِ السَّماءِ، خُلِقْنا كخلقِهِم، وغُذِّينا بغذائِهِم، فسَبانا عدوُّنا إبْليسُ، فليسَ لنا فرحٌ ولا راحةٌ إلَّا الهمَّ والعناءَ حتَّى نُرَدَّ إلى


(١) رواه مسلم (٦ - المسافرين، ٢٦ - الدعاء في صلاة الليل، ١/ ٥٣٤/ ٧٧١) من حديث عليّ.
(٢) رواه: البخاري (١٠ - الأذان، ١٤٩ - الدعاء قبل السلام، ٢/ ٣١٧/ ٨٣٤)، ومسلم (٤٨ - الذكر، ١٣ - خفض الصوت بالذكر، ٤/ ٢٠٧٨/ ٢٧٠٥)؛ من حديث أبي بكر رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٨٠ - الدعوات، ٢ - أفضل الاستغفار، ١١/ ٩٧/ ٦٣٠٦).

<<  <   >  >>