للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدَّارِ التي أُخْرِجْنا منها.

فَحَيَّ عَلى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإنَّها … مَنازِلُكَ الأُولى وَفيها المُخَيَّمُ

وَلكِنَّنا سَبْيُ العَدُوِّ فَهَلْ تُرى … نَعودُ إلى أوْطانِنا وَنُسَلَّمُ

لمَا الْتَقى آدَمُ وموسى عليهِما السّلامُ؛ عاتَبَهُ موسى على إخراجِهِ نفسَهُ وذرِّيَّتَهُ مِن الجنَّةِ، فاحْتَجَّ آدَمُ بالقدرِ السَّابقِ، والاحتجاجُ بالقدرِ على المصائبِ حسن، كما قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنْ أصابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أنِّي فَعَلْتُ [كانَ كذا و] كذا، ولكنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ" (١)، كما قيلَ:

واللهِ لَوْلا سابِقُ الأقْدارِ … لَمْ تَبْعُدْ قَطُّ دارُكُمْ عَنْ داري

مِنْ قَبْلِ النّأْيِ جِرْيَةُ المِقْدارِ … هَلْ يَمْحو [الـ]ـــــعبْدُ ما قَضاهُ الباري (٢)

لمَّا ظَهَرَتْ فضائلُ آدَمَ على الخلائقِ بسجودِ الملائكةِ لهُ وبتعليمِهِ أسماءَ كلِّ شيءٍ وإخبارِهِ الملائكةَ بها وهُم يَسْتَمِعونَ لهُ كاستماعِ المتعلِّمِ مِن معلِّمِهِ حتَّى أقَرُّوا بالعجزِ عن علمِهِ وأقَرُّوا لهُ بالفضلِ وأُسْكِنَ هوَ وزوجتُهُ الجنّةَ؛ ظَهَرَ الحسدُ مِن إبْليسَ وسَعى في الأذى، وما زالتِ الفضائلُ إذا ظَهَرَتْ تُحْسَدُ، كما قيلَ:

لا ماتَ حُسَّادُكَ بَلْ خُلِّدوا … حَتَّى يَرَوْا مِنْكَ الذي يُكْمِدُ

لا زِلْتَ مَحْسودًا عَلى نِعْمَةٍ … فَإنَّما الكامِلُ مَنْ يُحْسَدُ

فما زالَ يَحْتالُ على آدَمَ عليهِ السَّلامُ حتَّى تَسَبَّبَ في إخراجِهِ مِن الجنّةِ، وما فَهِمَ الأبلَهُ أن آدَمَ إذا خَرَجَ مِنها كَملَتْ فضائلُهُ ثمَّ عادَ إلى الجنَّةِ على أكملَ مِن حالتِهِ الأولى.

إنّما أهْلَكَ إبْليسَ العُجْبُ بنفسِهِ، ولذلكَ قالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: ١٢]. وإنَّما كَمَلَتْ فضائلُ آدَمَ باعترافِهِ على نفسِهِ: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: ٢٣].

كانَ إبْليسُ كلَّما أوْقَدَ نارَ الحسدِ لآدَمَ؛ فاحَ بها ريحُ طيبِ آدَمَ واحْتَرَقَ إبْليسُ.

وَإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فَضيلَةٍ … طُوِيَتْ أتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ


(١) رواه مسلم (٤٦ - القدر، ٨ - الأمر بالقوّة وترك العجز، ٤/ ٢٠٥٢/ ٢٦٦٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومن نصّ مسلم استفدت الزيادة.
(٢) في وزن البيتين العروضيّ اضطراب شديد، وهما أولى بالكلام المسجوع منهما بالشعر.

<<  <   >  >>