للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَوْلا اشْتِعالُ النَّارِ فيما جاوَرَتْ (١) … ما كانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْفِ العودِ

قالَ بعضُ السَّلفِ: آدَمُ أُخْرِجَ مِن الجنّةِ بذنبٍ واحدٍ، وأنتُم تَعْمَلونَ الذنوبَ وتكْثِرونَ مِنها وتُريدونَ أنْ تَدْخُلوا بها الجنّةَ!

تَصِلُ الذُّنوبَ إلى الذُّنوبِ وَتَرْتَجي … دَرَجَ الجِنانِ بِها وَفَوْزَ العابِدِ

وَنَسِيتَ أن الله أخْرَجَ آدَمًا … مِنْها إلى الدُّنْيا بِذَنْبٍ واحِدِ (٢)

احْذَروا هذا العدوَّ الذي أخْرَجَ أباكُمْ مِن الجنَّةِ؛ فإنّهُ ساعٍ في منعِكُم مِن العودِ إليها بكلِّ سبيلٍ، والعداوةُ بينكُمْ وبينَهُ قديمةٌ؛ فإنَّهُ ما أخرِجَ مِن الجنَّةِ وطُرِدَ عن الخدمةِ إلَّا بسببِ تكبُّرِهِ على أبيكُم وامتناعِهِ مِن السُّجودِ لهُ لمَّا أمِرَ بهِ. وقد أبْلَسَ مِن الرَّحمةِ وأيِسَ مِن العودِ إلى الجنَّةِ وتَحَقَّقَ خلودَهُ في النَّارِ، فهوَ يَجْتهِدُ على أنْ يُخَلِّدَ معَهُ في النَّارِ بني آدَمَ؛ بتحسينِ الشِّركِ، فإنْ عَجَزَ؛ قَنعَ بما دونَهُ مِن الفسوقِ والعصيانِ. وقد حَذَّرَكُمْ مولاكُم منهُ، وقد أعْذَرَ مَن أنْذَرَ، فخُذوا حذرَكُم، {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٧].

العَجَبُ ممَّن عَرَفَ ربَّهُ ثمَّ عَصاهُ، وعَرَفَ الشَّيطانَ ثمَّ أطاعَهُ! {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ [بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا]} [الأعراف: ٢٧].

رَعى اللهُ مَنْ نَهْوى وَإنْ كانَ ما رَعى … حَفِظْنا لَهُ العَهْدَ القَديمَ فَضيَّعا

وَصاحَبْتَ قَوْمًا كُنْتُ أنْهاكَ عَنْهُمُ … وَحَقِّكَ ما أبْقَيْتَ للصُّلْحِ مَوْضِعا

لمَّا أُهبِطَ [آدَمُ] إلى الأرضِ؛ وُعِدَ العودَ إلى الجنَّةِ هوَ ومَن آمَنَ مِن ذرِّيَّتِهِ واتَّبَعَ الرُّسلَ: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: ٣٥]. فَلْيُبَشَّرِ المؤمنونَ بالجنَّةِ، هيَ إقطاعُهُم، وقد وَصَلَ منشورُ الإقطاعِ (٣) معَ جبريلَ إلى مُحَمَّدٍ عليهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ


(١) في خ: "فيما حاولت"، والصواب ما أثبتّه من م وط.
(٢) زاد في ط هنا نقلًا عن إحدى أصوله الخطّيّة: "وقال: بفرد خطيئة وبفرد ذنب، من الجنّات أخرجت البرايا، فقل لي كيف ترجو في دخول، إليها بالألوف من الخطايا". وهذه إضافة ناسخ وجدت طريقها إلى المتن، وليست من شرطي هنا، وإنّما ذكرتها للطفها.
(٣) منشور الإقطاع: يقابل في أيّامنا هذه الإرادة الملكيّة السامية بإعطاء فلان من الناس قطعة من =

<<  <   >  >>