للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سُبحانَ مَن إذا لَطَفَ بعبد في المحنِ قَلَبَها منحًا، وإذا خَذَلَ عبدًا لمْ يَنْفَعْهُ كثرةُ اجتهادِهِ وعادَ عليهِ وبالًا.

لُقِّنَ آدَمُ حجَّتَهُ وأُلقِيَ إليهِ ما تُتَقَبَّلُ بهِ توبتُهُ، {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧]. وطُرِدَ إبْليسُ بعدَ طولِ خدمتِهِ فصارَ عملُهُ هباءً منثورًا، {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [الحجر: ٣٤ - ٣٥] (١).

إذا وَضَعَ عدلَهُ على عبدٍ؛ لمْ تَبْقَ لهُ حسنةٌ، وإذا بَسَطَ فضلَهُ على عبدٍ؛ لمْ تَبْقَ لهُ سيِّئةٌ.

يُعْطِي وَيَمْنَعُ مَنْ يَشاءُ كَما يَشا … وَهِباتُهُ لَيْسَتْ تُقارِنُها الرُّشا

لمَّا ظَهَرَ فضلُ آدَمَ على الخلائقِ بالعلمِ، وكانَ العلمُ لا يَكْمُلُ بدونِ العملِ بمقتضاهُ، والجنَّةُ ليست دارَ عمل ومجاهدةٍ وإنّما هيَ دارُ نعيمٍ ومشاهدةٍ؛ قيلَ لهُ: يا آدَمُ! اهْبِطْ إلى رباطِ الجهاد، وصابِرْ جنودَ الهوى بالجدِّ والاجتهاد، واذْرِ دموعَ الأسفِ على البعاد، فكأنَّكَ بالعيشِ الماضي وقد عادَ على أكملِ مِن ذلكَ الوجهِ المعتاد.

عُودوا إلى الوَصْلِ عُودوا … فَالهَجْرُ صَعْبٌ شَديدُ

لَوْ ذاقَ طَعْمَ الفِراقِ رَضْوى … لَكادَ مِنْ وَجْدِهِ يَميدُ

قَدْ حَمَّلوني عَذابَ شَوْقٍ … يَعْجِزُ عَنْ حَمْلِهِ الحَديدُ

قُلْتُ وَقَلْبي أسيرُ وَجْدٍ … مُتيَّمٌ في الجَفا عَميدُ

أنْتُمْ لَنا في الهوى مَوالٍ … وَنَحْنُ في أسْرِكُمْ عَبيدُ


(١) زاد في حاشية خ هنا: "أورد أحد المحقّقين سؤالًا وجوابًا؛ قال: إنّما طرد إبليس واستحقّ اللعنة وأخرج من الجنّة بكفره المجمع عليه. لكن هل كان كفره بامتناعه من السجود وعصيانه كما دلّ عليه سياق كلام ربّ العالمين، ويلزم منه كفر من عصى، ولا قائل. أو كفر بشيء زائد على ذلك، وهو الذي ذكره بعض المحقّقين. ثمّ اختلفوا؛ ما الذي كفر به؟ فقالوا: كفر بقوله لم أكن لأسجد لبشر خلقه من صلصال من حمأ مسنون، فأشار إلى أنّ أمر الحقّ تعالى بسجود الأعلى للأدنى من الجور؛ لأن عنصر النار أشرف من عنصر التراب على زعمه، ولا شك أن نسبة الحق تعالى إلى الجور كفر يستوجب فاعله اللعنة والطرد الأبديّ والعذاب السرمديّ" اهـ. وهذا على طريقة المتكلّمة الذين يخطر لهم من التأويلات ما لا يخطر لإبليس، وليس هذا أولى المحالّ بتفصيل ما فيه من نظر.

<<  <   >  >>