للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَجَّ بعضُ المتقدِّمينَ، فنامَ ليلةً، فرَأى ملَكينِ نَزَلا مِن السَّماءِ، فقالَ أحدُهُما للآخرِ: كم حَجَّ العامَ؟ قالَ: ستُّ مئةِ ألفٍ. قالَ لهُ: كم قُبِلَ منهُم؟ قالَ: ستَّةٌ. قالَ: فاسْتَيْقَظَ الرَّجلُ وهوَ قلقٌ ممَّا رَأى. فرَأى في الليلةِ الثَّانيةِ كأنَّهُما نَزَلا وأعادا القولَ، وقالَ أحدُهُما: إنَّ الله وَهَبَ لكلِّ واحدٍ مِن السِّتَّةِ مئةَ ألفٍ.

كانَ يعضُ السَّلفِ يَقولُ في دعائِهِ: اللهمَّ! إنْ لمْ تَقْبَلْني؛ فهَبْني لمَن شِئْتَ مِن خلقِكَ.

مَن رُدَّ عليهِ عملُهُ ولمْ يُقْبَلْ منهُ؛ فقد يُعَوَّضُ ما يُعَوَّضُ المصابُ فيُرْحَمُ بذلكَ.

قالَ بعضُ السَّلفِ في دعائِهِ بعَرَفَةَ: اللهمَّ! إنْ كُنْتَ لمْ تَقْبَلْ حجِّي وتعبي ونصبي؛


= * وقال المنذري في "الترغيب" (١٧٣٧): "وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس … (فذكره من خطبته - صلى الله عليه وسلم - عشيّة عرفة) ". قال الألباني في "الصحيحة" (١٦٢٤): "إسناد صحيح لا علّة فيه". قلت: رحم الله المنذري؛ اختصر ما لا ينبغي اختصاره فأوهم صحّة السند، ورحم الله الألباني؛ لو وقف على من وصل هذا التعليق؛ لما صحّحه.
وقد وصله: العقيلي (٢/ ١٩٦)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (١/ ١٢٨)، والسمعاني في "الإملاء والاستملاء" (١/ ٩٧)؛ من طريق محمّد بن خالد البردعي، ثنا عليّ بن موفّق البغدادي، ثنا شبّويه (ووقع في التمهيد: أحمد بن شبّويه) المروزيّ، ثنا ابن المبارك … به. والبردعي - على أنّه ثقة - ذكره العسقلاني في "اللسان" بحديث منكر تفرّد به هو هذا الحديث. وعليّ بن الموفّق صوفيّ عابد زاهد وما هو من أهل الحديث كما تدلّ عليه ترجمته في "تاريخ بغداد" (١٢/ ١١٢) و"صفوة الصفوة" (٢/ ٣٨٦). وشبّويه مجهول تفرّد عن ابن المبارك بهذا الحديث دون ثقات أصحابه؛ فأنّى يقال "لا علّة فيه"؟!
هذا؛ وقد ساق العسقلاني هذا الحديث في "القول المسدّد" (ح ٧)، واعترض على ابن الجوزي في حكمه عليه بالوضع وقوله "قال البخاري: لم يصحّ"، قال: "ولا يلزم من كونه لم يصحّ أن يكون موضوعًا". ثمّ ساق بعض الطرق المتقدّمة وقال: "كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج تزيد المتن قوّة". وفي كلامه نظر من وجوه: أوّلها: أنّ الطرق المتقدّمة شديدة الوهاء، فالثلاث الأولى ساقطة، والأربع التالية شديدة الضعف، واجتماع هذه الواهيات لا يكسب الحديث قوّة. والآخر: أنّه لا يخلو شيء من المتون المتقدّمة من التصريح بمغفرة الله لأهل عرفة وجمع جميع الذنوب وحقوق العباد ومظالمهم وضمانة التبعات، وهذه نكارة ما بعدها نكارة ومخالفة للأصول الشرعيّة الراسخة والنصوص الصحيحة الصريحة لا تقوم بها أسانيد كالشمس صحّة؛ فكيف بهذه الأسانيد المتداعية؟! والثالث: أنّ أكثر هذه النصوص صرّحت بأنّ هذا جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة عرفة أو جمع! ومن العجيب حقًّا أن يسمع آلاف الصحابة هذه الخطبة ثمّ يتفرد بنقلها إلينا الضعفاء والمتروكون دون الثقات الذين نقلوا خطبه - صلى الله عليه وسلم - دون هذه الزيادة المنكرة.
فحريّ أن يعدّ هذا في الموضوعات تبعًا لابن الجوزي، أو في الواهيات تبعًا للبخاري والعقيلي وابن حبّان وابن عديّ وأبو نعيم والذهبي والبوصيري والهيثمي والزيلعي والعسقلاني مرّة. والله أعلم.

<<  <   >  >>