للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا تَحْرِمْني أجرَ المصيبةِ على تركِكَ القبولَ منِّي.

وقالَ آخرُ منهُم: اللهمَّ! ارْحَمْني؛ فإنَّ رحمتَكَ قريبٌ مِن المحسنينَ، فإنْ لمْ أكُنْ محسنًا؛ فقدْ قُلْتَ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]، فإنْ لمْ أكُنْ كذلكَ؛ فأنا شيءٌ، وقد قُلْتَ: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦]، فإنْ لمْ أكُنْ شيئًا؛ فأنا مصابٌ بردِّ عملي وتعبي ونصبي؛ فلا تَحْرِمْني ما وَعَدْتَ المصابَ مِن الرَّحمةِ (١).

قالَ هِلالُ بنُ يِسافٍ: بَلَغَني أن المسلمَ إذا دَعا الله فلمْ يُسْتَجِبْ لهُ؛ كُتِبَ لهُ حسنةٌ. خَرَّجَهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ؛ يَعْني: جزاءً لمصيبةِ ردِّهِ (٢).

وَمَنْ كانَ في سُخْطِهِ مُحْسِنًا … فَكَيْفَ يَكونُ إذا ما رَضِي

• قدومُ الحاجِّ يُذَكِّرُ بالقدومِ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ:

قَدِمَ مسافرٌ فيما مَضى على أهلِهِ، فسُرُّوا بهِ، وهناكَ امرأةٌ مِن الصَّالحاتِ، فبَكَتْ وقالَتْ: أذْكَرَني هذا بقدومِهِ القدومَ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فمِن مسرورٍ ومبثورٍ.

قالَ بعضُ الملوكِ لأبي حازِمٍ: كيفَ القدومُ على اللهِ؟ فقالَ أبو حازِمٍ: أمَّا قدومُ الطَّائعِ على اللهِ تَعالى؛ فكقدومِ الغائبِ على أهلِهِ المشتاقينَ إليهِ، وأمَّا قدومُ العاصي؛ فكقدومِ الآبقِ على سيِّدِهِ الغضبانِ.

لَعَلَّكَ غَضْبانٌ وَقَلْبِيَ غافِلٌ … سَلامٌ عَلى الدَّارَيْنِ إنْ كنْتَ راضِيا

في بعضِ الآثارِ الإسرائيليَّةِ: يَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ألا طالَ شوقُ الأبرارِ إليَّ، وأنا إلى لقائِهِم أشدُّ شوقًا.

كم بينَ الذينَ {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: ١٠٣] وبينَ الذينَ {يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: ١٣].


(١) هذه دعوات المتفيهقين، الذين يشقّقون القول ويتقعّرون فيه، ولا يأمن أصحاب هذا وأمثاله أن يدخلوا في زمرة المعتدين في الدعاء، والذي علّمنا إيّاه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة المتّفق عليه "لا يقولنّ أحدكم: اللهمّ! اغفر لي إن شئت، اللهمّ! ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإنّه لا مكره له".
(٢) بل جزاء لدعائه؛ فإنّ الدعاء أحبّ أعمال العبد إلى الله وأكرمها عليه، والله سبحانه لا يردّ عبده إذا رفع إليه يديه صفرًا، إمّا أن يعطيه سؤله، وإمّا أن يدّخر له ثواب ذلك عنده.

<<  <   >  >>