للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذهِ الأسبابُ التي جَعَلَها اللهُ أسبابًا يَخْلُقُ المسبَّباتِ بها، كما دَلَّ عليهِ قولُهُ تَعالى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: ٥٧]. وقالَتْ طائفةٌ: إنَّهُ يَخْلُقُ المسبَّباتِ عندَها لا بِها (١)!

وأمَّا إذا قَوِيَ التَّوكُّلُ على اللهِ والإيمانُ بقضائِهِ وقدرِهِ [فـ]ـقَوِيَتِ النَّفسُ على مباشرةِ بعضِ هذهِ الأسبابِ اعتمادًا على اللهِ ورجاءً منهُ ألَّا يَحْصُلَ بهِ ضررٌ؛ ففي هذهِ الحالِ تَجوزُ مباشرةُ ذلكَ، لا سيَّما إذا كانَ فيهِ مصلحةٌ عامَّةٌ أو خاصَّةٌ (٢).

وعلى مثلِ هذا يُحْمَلُ الحديثُ الذي خَرَّجَهُ أبو داوودَ والتِّرْمِذِيُّ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخَذَ بيدِ مجذومٍ، فأدْخَلَها معَهُ في القصعةِ، ثمَّ قالَ: "كُلْ باسمِ اللهِ؛ ثقةً باللهِ وتوكُّلًا عليهِ" (٣). وقد أخَذَ بهِ الإمامُ أحْمَدُ.


= ونخلص من هذا إلى أنّ: مروره - صلى الله عليه وسلم - بالجدار المائل مسرعًا جاء من طريقين مرسلين لا يرتقيان به إلى الحسن، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "أكره موت الفجأة" جاء من طريق ساقطة، واستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من موت الفجأة جاءت من طرق واهية لا يفيدها اجتماعها قوّة، فالمعنى كلّه بمختلف ألفاظه ضعيف لا يصحّ منه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - شيء، ولذلك قال أبو داوود: "وقد روي مسندًا وليس بشيء"، وضعّفه العقيلي وابن عدي والبيهقي والهيثمي.
(١) هذه طريقة الأشاعرة والكلّابيّة ومن وافقهم، وقد استفرغ ابن القيّم وسعه في "مدارج السالكين" و"مفتاح دار السعادة" و"شفاء العليل" في تسفيه هذا القول وبيان تناقض أصحابه ومخالفتهم للعقل والنقل.
(٢) فيه نظر! لأنّه يخالف سنّة سيد المتوكّلين فعلًا وقولًا وسنّة أصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان، وما جاء عن الصحابة والتابعين بخلاف ذلك فأكثره لا يثبت، وما ثبت منه فإنّما جاء استجابة لظرف قاهر لا بدّ فيه من اختيار أيسر الضررين ودفع أشدّهما. والله أعلم.
(٣) (ضعيف). رواه: ابن أبي شيبة (٢٤٥٢٦)، وعبد بن حميد (١٠٩٢)، وابن ماجه (٣١ - الطبّ، ٤٤ - الجذام، ٢/ ١١٧٢/ ٣٥٤٢)، وأبو داوود (٢٢ - الطبّ، ٢٤ - الطيرة، ٢/ ٤١٣/ ٣٩٢٥)، والترمذي (٢٦ - الأطعمة، ١٩ - الأكل مع المجذوم، ٤/ ٢٦٦/ ١٨١٧)، وأبو يعلى (١٨٣٢)، والطحاوي في "المعاني" (٤/ ٣٠٩)، والعقيلي (٤/ ٢٤٢)، وابن حبّان (٦١٢٠)، وابن عديّ (٦/ ٢٤٠٤) معلّقًا، وابن السنّي في "اليوم والليلة" (٤٦٣)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (٥٤٢)، والحاكم (٤/ ١٣٦)، والبيهقي في "السنن" (٧/ ٢١٩) و"الشعب" (١٣٥٦)، وابن الجوزي في "العلل" (١٤٥٦)، والرافعي في "التدوين" (٢/ ٤٠٤)؛ من طريق يونس بن محمّد، عن المفضّل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر … رفعه. وهذا سند ضعيف له علّتان: أولاهما: ضعف المفضّل هذا. والأُخرى: أنّه خولف، قال الترمذي: "وقد روى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن ابن بريدة أنّ ابن عمر أخذ بيد المجذوم، وحديث شعبة أثبت عندي وأصحّ". قلت: ورواه ابن أبي شيبة (٢٤٥٢٣) عن يحيى، عن حبيب، عن ابن بريدة، موقوفًا على سلمان. فقد جمع المرفوع الضعف والمخالفة، وهذا حدّ النكارة.

<<  <   >  >>