للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الحديد: ٢٢].

فأمَّا نهيُهُ - صلى الله عليه وسلم - عن إيرادِ الممرِضِ على المصِحِّ، وأمرُهُ بالفرارِ مِن المجذومِ، ونهيُهُ عن الدُّخولِ إلى موضعِ الطَّاعونِ؛ فإنَّهُ مِن بابِ اجتنابِ الأسبابِ التي خَلَقَها اللهُ وجَعَلَها أسبابًا للهلاكِ أوِ الأذى. والعبدُ مأْمورٌ باتِّقاءِ أسبابِ البلاءِ إذا كانَ في عافيةٍ منها، فكما أنَّهُ يُؤْمَرُ أنْ لا يُلْقِيَ نفسَهُ في الماءِ أو في النَّارِ أو يَدْخُلَ تحتَ الهدمِ ونحوِهِ ممَّا جَرَتِ العادةُ (١) بأنَّهُ يُهْلِكُ أو يُؤْذي؛ فكذلكَ اجتنابُ مقاربةِ المريضِ كالمجذومِ أوِ القدومِ على بلدِ الطَّاعونِ؛ فإنَّ هذهِ كلَّها أسبابٌ للمرضِ والتَّلفِ (٢)؛ واللهُ تَعالى هوَ خالقُ الأسبابِ ومسبَّباتِها، لا خالقَ غيرُهُ ولا مقدِّرَ غيرُهُ.

* وقد رُوِيَ في حديثٍ مرسَلٍ خَرَّجَهُ أبو داوودَ في "مراسيلِهِ" (٣): أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بحائطٍ مائلٍ فأسْرَعَ وقالَ: "أخافُ موتَ الفَواتِ" (٤). ورُوِيَ متَّصلًا، والمرسلُ أصحُّ.


(١) في خ و ن: "ممّا جرت به العادة".
(٢) هذا إقرار بالعدوى بعد نفيها؛ هو يسمّي مقاربة المجذوم ودخول بلد الطاعون أسبابًا للمرض والتلف وغيره يسمّي هذه الأسباب عدوى! هذا يثبت المعنى وينفي الاسم، وذاك يثبت الاسم والمعنى!
(٣) هذا وهم منه يرحمه الله، فما هو عند أبي داوود في "المراسيل" بهذا اللفظ، وانظر ما بعده.
(٤) (ضعيف). وقد جاء معناه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أوجه:
* فرواه: أحمد (٢/ ٣٥٦)، وأبو يعلى (٦٦١٢)، والعقيلي (١/ ٦١)، وابن عدي (١/ ٢٣١ و ٢٣٢)، والبيهقي في "الشعب" (١٣٥٩)؛ من طريق إبراهيم بن الفضل (أو: ابن إسحاق)، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة … رفعه بهذا اللفظ. قال الهيثمي (٢/ ٣٢١): "إسناده ضعيف". قلت: إبراهيم متروك والسند ساقط.
* وروى: ابن أبي شيبة (٢٦٦٣٢)، والبيهقي في "الشعب" (١٣٦١)؛ من طريق قويّة، عن يحيى بن أبي كثير: بلغني أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا مرّ بهدف مائل أسرع المشي. وهذا مرسل أو معضل قويّ.
* وروى أبو داوود في "المراسيل" (٤٧٧) من طريق قويّة، عن ابن شهاب؛ أنّه - صلى الله عليه وسلم - مرّ بجدار مائل، فشمّر وأسرع وقال لأصحابه "أسرعوا". وهذا مرسل صحيح.
* وروى: أحمد (٤/ ٢٠٤)، والبزّار (٧٨٢)؛ عن ابن لهيعة، ثنا أبو قبيل، عن مالك (أو: خالد) بن عبد الله، عن ابن عمرو؛ أنّه - صلى الله عليه وسلم - استعاذ من موت الفجأة. وابن لهيعة ضعيف، وابن عبد الله مجهول.
ورواه البيهقي في "الشعب" (١٣٦٠) من طريق إسحاق بن أبي فروة، عن موسى بن وردان، عن عبد الرحمن بن جبير، عن ابن عمرو … به. قال البيهقي: "إسناده ضعيف". قلت: ابن أبي فروة متروك.
* وروى: الطبراني (٨/ ١٣٢/ ٧٦٠٢) من طريق عثمان بن عبد الرحمن، والطبراني (٨/ ١٣٢ / ٧٦٠٣) من طريق عمر بن موسى؛ كلاهما عن مكحول، عن أبي أُمامة: كان - صلى الله عليه وسلم - يتعوّذ من موت الفجأة. قال الهيثمي (٢/ ٣٢١): "فيه عثمان بن عبد الرحمن القرشي متروك". قلت: وعمر بن موسى كذّاب.

<<  <   >  >>