للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَجَرَ ما نَهى اللهُ عنهُ.

قالَ إبْراهيمُ بنُ أدْهَمَ: مَن أرادَ التَّوبةَ؛ فلْيَخْرُجْ مِن المظالمِ، ولْيَدَعْ مخالطةَ مَن كانَ يُخالِطُهُ، وإلَّا؛ لمْ يَنَلْ ما يُريدُ.

احْذَروا الذُّنوبَ؛ فإنَّها مشؤومة، عواقبُها ذميمة، وعقوباتُها أليمة، والقلوبُ المحبَّةُ لها سقيمة، والنُّفوسُ المائلةُ إليها غيرُ مستقيمة، والسَّلامةُ منها غنيمة، والعافيةُ منها ليس لها قيمة، والبليَّةُ بها - لا سيَّما بعدَ نزولِ الشَّيبِ - داهيةٌ عظيمة.

طاعَةُ اللهِ خَيْرُ ما اكْتَسَبَ العَبْـ … ـدُ كُنْ طائِعًا لِلهِ لا تَعْصِيَنْهُ

ما هَلاكُ النُّفوسِ إلَّا المعاصي … فَاجْتَنِبْ ما نَهاكَ لا تَقْرَبَنْهُ

إنَّ شَيْئًا هَلاكُ نَفْسِكَ فيهِ … يَنْبَغي أنْ تَصونَ نَفْسَكَ عَنْهُ

يا مَن ضاعَ قلبُهُ! انْشُدْهُ في مجلسِ الذِّكرِ، عَسى أنْ تَجِدَهُ. يا مَن مَرِضَ قلبُهُ! احْمِلْهُ إلى مجلسِ الذِّكرِ، لَعَلَّهُ أنْ يُعافى.

مجالسُ الذِّكرِ مارَسْتاناتُ (١) الذُّنوبِ، تُداوى فيها أمراضُ القلوبِ كما تُداوى أمراضُ الأبدانِ في مارستاناتِ الدُّنيا، ونزهٌ لقلوبِ المؤمنينَ تَتَنَزَّهُ فيهـ[ـا] (٢) بسماعِ كلامِ الحكمةِ كما تَتَنَزَّهُ أبصارُ أهلِ الدُّنيا في رياضِها وبساتينِها.

مجلسُنا هذا حضرةٌ في روضةِ الخشوع، طعامُنا فيهِ الجوع، وشرابُنا فيهِ الدُّموع، ونُقْلُنا (٣) هذا الكلامُ المسموع، نُداوي فيهِ أمراضًا أعْيَتْ جالينوسَ وبَخْتيشوع، نَسْقي فيهِ دِرْياقَ الذُّنوبِ وفاروقَ المعاصي (٤) فمَن شَرِبَ لمْ يَكُنْ لهُ إلى المعصيةِ رجوع، كم أفاقَ فيهِ مِن المعصيةِ مصروع، وبَرِئَ فيهِ مِن الهوى ملسوع، ووَصَلَ فيهِ إلى اللهِ مقطوع، ما عيبُهُ إلَّا أن الطَّبيبَ الذي لهُ لو كانَ يَسْتَعْمِلُ ما يَصِفُ للنَّاسِ لكانَ إلى قولِهِ المرجوع. يا ضيعةَ العمرِ إنْ نَجا السَّامعُ وهَلَكَ المسموع! يا خيبةَ المسعى إنْ وَصَلَ


(١) المارستان: المستشفى بلغتنا اليوم.
(٢) زيادة يقتضيها السياق ليست في خ وم ون.
(٣) النقل: ما يؤكل بعد الطعام على سبيل التسلية كالفواكه والحلويات والمكسّرات.
(٤) درياق الذنوب: دواؤها، كالترياق. فاروق المعاصي: ما يفرّق بين المرء وبين المعصية.

<<  <   >  >>