للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْعَظِيمِ (٤)} [الجمعة: ٢ - ٤]

ومعلومٌ أنَّهُ لمْ يُبْعَثْ في مَكَّةَ رسولٌ منهُم بهذهِ الصِّفةِ غيرُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وهوَ مِن ولدِ إسْماعيلَ، كما أن أنبياءَ بني إسرائيلَ مِن ولدِ إسْحاقَ.

وذَكَرَ تَعالى أنَّهُ مَنَّ على المؤمنينَ بهذهِ الرِّسالةِ، فليسَ للهِ نعمةٌ أعظمُ مِن إرسالِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - يَهْدي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ.

وقولُهُ {في الأُمَيِّينَ} - والمرادُ بهِمُ العربُ - تنبيهٌ لهُم على قدرِ هذهِ النِّعمةِ وعظمِها، حيثُ كانوا أُمِّيِّينَ لا كتابَ لهُم، وليسَ عندَهُم شيءٌ مِن آثارِ النُّبوَّاتِ، كما كانَ عندَ أهلِ الكتابِ، فمَنَّ اللهُ عليهِم بهذا الرَّسولِ وبهذا الكتابِ، حتَّى صاروا أفضلَ الأُممِ وأعلمَهُم، وعَرَفوا ضلالةَ مَن ضَلَّ مِن الأُممِ مِن قبلِهِم.

وفي كونهِ منهُم فائدتانِ:

إحداهُما: أن هذا الرَّسولَ كانَ أيضًا أُمِّيًّا كأُمَّتِهِ المبعوثِ إليهِم: لمْ تقْرَأْ كتابًا قطُّ ولمْ يَخُطَّهُ بيمينِهِ، كما قالَ تَعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتاب وَلا تَخُطُّهُ بِيَمينِكَ … } الآياتِ [العنكبوت: ٤٨]. ولا خَرَجَ عن ديارِ قومِهِ فأقامَ عندَ غيرِهِم حتَّى تَعَلَّمَ منهُم شيئًا، بلْ لمْ يَزَلْ أُمِّيًّا بينَ أُمَّةٍ أُمَيَّةَ لا يَكْتُبُ ولا يقرَأُ حتَّى كَمَّلَ الأربعينَ مِن عُمُرِهِ، ثمَّ جاءَ بعدَ ذلكَ بهذا الكتاب المبينِ وهذهِ الشَّريعةِ الباهرةِ وهذا الدِّينِ القيِّمِ الذي اعْتَرَفَ حذَّاقُ أهلِ الأرضِ ونظَّارُهُم أنَّهُ لمْ يَقْرَعِ العالَمَ ناموس أعظمُ منهُ. وفي هذا برهانٌ ظاهرٌ على صدقِهِ.

والفائدةُ الثَّانيةُ: التَّنبيهُ على أن المبعوثَ منهُم - وهُمُ الأمِّيُّونَ خصوصًا أهلَ مَكَّةَ - يَعْرِفونَ نسبَهُ وشرفَهُ وصدقَهُ وأمانتَهُ وعفَّتَهُ، وأنَّهُ نَشَأ بينَهُم معروفًا بذلكَ كلِّهِ، وأنَّهُ لمْ يَكْذِبْ قطُّ، فكيفَ كانَ يَدَعُ الكذبَ على النَّاسِ ثمَّ يَفْتَري الكذبَ على اللهِ، هذا هوَ الباطلُ، ولذلكَ سَألَ هِرَقْلُ عن هذهِ الأوصافِ، واسْتَدَلَّ بها على صدقِهِ فيما ادَّعاهُ مِن النُّبوَّةِ والرسالةِ.

وقولُهُ تَعالى: {يَتْلو عَلَيْهِمْ آياتِهِ}؛ يَعْني: يَتْلو عليهِم ما أَنْزَلَ اللهُ عليهِ مِن آياتِهِ المتلوَّةِ، وهوَ القرآنُ، وهوَ أعظمُ الكتبِ السَّماويَّةِ، وقد تَضَمَّنَ مِن العلومِ والحكمِ

<<  <   >  >>