والمواعظِ والقصصِ والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ وذكرِ أخبارِ مَن سَبَقَ وأخبارِ ما يَأْتي مِن البعثِ والنُّشورِ والجنَّةِ والنَّارِ ما لمْ يَشْتَمِلْ عليهِ كتابٌ غيرُهُ، حتَّى قالَ بعضُ العلماءِ: لوْ أنَّ هذا الكتابَ وُجِدَ مكتوبًا في مصحفٍ في فلاةٍ مِن الأرضِ ولمْ يُعْلَمْ مَن وَضَعَهُ هناكَ؛ لشَهِدَتِ العقولُ السَّليمةُ أنَّهُ منزَّل مِن عندِ اللهِ وأنَّ البشرَ لا قدرةَ لهُم على تأْليفِ ذلكَ، فكيفَ إذا جاءَ على يدي أصدقِ الخلقِ وأبرِّهِم وأتقاهُم، وقالَ: إنَّهُ كلامُ اللهِ، وتَحَدَّى الخلقَ كلَّهُم أنْ يَأْتوا بسورةٍ مِن مثلِهِ فعَجَزوا؟! فكيفَ يَبْقى معَ هذا شكٌّ فيهِ؟!
ولهذا قالَ تَعالى: {ذلكَ الكتابُ لا رَيْبَ فيهِ} [البقرة: ٢]. وقالَ: {أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنَّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: ٥١].
فلو لمْ يَكُنْ لمُحَمَّدٍ مِن المعجزاتِ الدَّالَّةِ على صدقِهِ غيرُ هذا الكتابِ؛ لَكَفاهُ؛ فكيفَ ولهُ مِن المعجزاتِ الأرضيَّةِ والسَّماويَّةِ ما لا يُحْصى؟!
وقولُهُ تَعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ}؛ يَعْني: أنَّهُ يُزَكِّي قلوبَهُم ويُطَهِّرُها مِن أدناسِ الشِّركِ والفجورِ والضَّلالِ؛ فإنَّ النُّفوسَ تَزْكو إذا طَهُرَتْ مِن ذلكَ كلِّهِ، ومَن زَكَتْ نفسُهُ؛ فقد أفْلَحَ، كما قالَ تَعالى: {قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَاها} [الشمس: ٩]، وقالَ: {قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: ١٤].
وقولُهُ تَعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ}؛ يَعْني بالكتابِ: القرآنَ، والمرادُ تعليمُهُم تلاوةَ ألفاظِهِ. ويَعْني بالحكمةِ: فهمَ معاني القرآنِ والعملَ بما فيهِ. فالحكمةُ هيَ فهمُ القرآنِ والعملُ بهِ، فلا يُكْتَفى بتلاوةِ ألفاظِ الكتابِ حتَّى يُعْلَمَ معناهُ ويُعْمَلَ بمقتضاهُ، فمَن جُمِعَ لهُ ذلكَ كلُّهُ؛ فقد أُوتِيَ الحكمةَ. قالَ تَعالى: {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثيرًا} [البقرة: ٢٦٩].
قالَ الفُضَيْلُ: العلماءُ كثيرٌ، والحكماءُ قليلٌ.
وقالَ: الحكماءُ ورثةُ الأنبياءِ.
فالحكمةُ هيَ العلمُ النَّافعُ الذي يَتْبَعُهُ العملُ الصَّالحُ، وهيَ نورٌ يُقْذَفُ في القلبِ يُفْهَمُ بهِ معنى العلمِ المنزَّلِ مِن الماءِ ويَحُضُّ على اتِّباعِهِ والعملِ بهِ. ومَن قالَ: الحكمةُ السُّنَّةُ؛ فقولُهُ حقٌّ؛ لأنَّ السُّنَّةَ تُفَسِّرُ القرآنَ وتُبَيِّنُ معانيَهُ وتَحُضُّ على اتِّباعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute