للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعملِ بهِ، فالحكيمُ هوَ العالمُ المستنبطُ لدقائقِ العلمِ المنتفعُ بعلمِهِ بالعملِ بهِ.

ولأبي العَتاهِيَةِ:

وَكَيْفَ تُحِبُّ أنْ تُدْعى حَكيمًا … وَأنْتَ لِكُلِّ ما تَهْوى رَكوبُ

وَتَضْحَكُ دائِبًا ظَهْرًا لِبَطْنٍ … وَتَذْكُرُ ما عَمِلْتَ فَلا تَتوبُ

وقولُهُ تَعالى: {وَإنْ كانوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ} [الجمعة: ٢]؛ إشارةً إلى ما كانَ النَّاسُ عليهِ قبلَ إنزالِ هذا الكتابِ مِن الضَّلالِ؛ فإنَّ الله نَظَرَ حينئذ إلى أهلِ الأرضِ فمَقَتَهُم؛ عربَهُم وعجمَهُم؛ إلَّا بقايا مِن أهلِ الكتابِ تَمَسَّكوا بدينِهِمُ الذي لمْ يُبَدَّلْ ولمْ يُغَيَّرْ وكانوا قليلًا جدًّا. فأمَّا عامَّةُ أهلِ الكتابِ؛ فكانوا قد بَدَّلوا كتبَهُم وغَيَّروها وحَرَّفوها وأدْخَلوا في دينِهِم ما ليسَ منهُ فَضَلُّوا وأضَلُّوا. وأمَّا غيرُ أهلِ الكتابِ؛ فكانوا على ضلال بيِّنٍ: فالأُمِّيُّونَ أهلُ شركٍ يَعْبُدونَ الأوثانَ، والمجوسُ يَعْبُدونَ النِّيرانَ ويَقولونَ بإلهينِ اثنينِ، وكذلكَ غيرُهُم مِن أهلِ الأرضِ؛ منهُم مَن كانَ يَعْبُدُ النُّجومَ، ومنهُم مَن كانَ يَعْبُدُ الشَّمسَ أوِ القمرَ.

فهَدى اللهُ المؤمنينَ بإرسالِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إلى ما جاءَ بهِ مِن الهدى ودينِ الحقِّ، وأظْهَرَ اللهُ دينَهُ حتَّى بَلَغَ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، فظَهَرَتْ فيها كلمةُ التَّوحيدِ والعملِ بالعدلِ بعدَ أنْ كانَتِ الأرضُ كلُّها ممتلئةً مِن ظلمةِ الشِّركِ والظُّلمِ.

فالأُمِّيُّونَ همُ العربُ، والآخرونَ الذينَ لمْ يَلْحَقوا بهِم هُم أهلُ فارسَ والرُّومُ. فكانَتْ أهلُ فارسَ مجوسًا والرُّومُ نصارى، فهَدى اللهُ جميعَ هؤلاءِ برسالةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إلى التَّوحيدِ.

وقد رُئِيَ الإمامُ أحْمَدُ بعدَ موتِهِ في المنامِ، فسُئِلَ عن حالِهِ، فقالَ: لولا هذا النَّبيُّ؛ لَكُنَّا مجوسًا. وهوَ كما قالَ؛ فإنَّ أهلَ العراقِ لولا رسالةُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -[لَـ]ـكانوا مجوسًا، وأهلَ الشَّامِ ومِصْرَ والرُّومَ لولا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - لَكانوا نصارى، وأهلَ جزيرةِ العربِ لولا رسالةُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَكانوا مشركينَ عُبَّادَ أوثانٍ. ولكنْ رَحِمَ اللهُ عبادَهُ بإرسالِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فأنْقَذَهُم مِن الضَّلالِ، كما قالَ اللهُ تَعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمينَ} [الأنبياء: ١٠٧]. ولهذا قالَ تَعالى: {ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ

<<  <   >  >>