للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذو الفَضْلِ العَظيمِ} [الجمعة: ٤]. فمَن حَصَلَ لهُ نصيبٌ مِن دينِ الإسلامِ؛ فقد حَصَلَ لهُ الفضلُ العظيمُ، وقد عَظُمَتْ عليهِ نعمةُ اللهِ، فما أحْوَجَهُ إلى القيامِ بشكرِ هذهِ النِّعمةِ وسؤالِهِ دوامَها والثَّباتَ عليها إلى المماتِ والموتَ عليها، فبذلكَ تَتِمُّ النِّعمةُ.

فإبْراهيمُ عليهِ السَّلامُ هوَ إمامُ الحنفاءِ المأْمورُ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ومَن قبلَهُ مِن الأنبياءِ بالاقتداء بهِ، وهوَ الذي جَعَلَهُ اللهُ للنَّاسِ إمامًا. وقد دَعا هوَ وابنُهُ إسْماعيلُ بأنْ يَبْعَثَ اللهُ في أهلِ مَكَّةَ رسولًا منهُم موصوفًا بهذهِ الأوصافِ، فاسْتَجابَ اللهُ لهُما وجَعَلَ هذا النَّبيَّ المبعوثَ فيهِم مِن ولدِ إسْماعيلَ بن إبْراهيمَ كما دَعَيا بذلكَ، وهوَ النَّبيُّ الذي أظْهَرَ دينَ إبْراهيمَ الحنيفَ بعدَ اضمحلالِهِ وخفائِهِ على أهلِ الأرضِ. فلهذا كانَ أولى النَّاسِ بإبْراهيمَ: كما قال تَعالى: {إنَّ أوْلى النَّاسِ بِإبْراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعُوهُ وَهذا النَّبيُّ وَالَّذينَ آمَنوا} [آل عمران: ٦٨]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لكلِّ نبي وليًّا مِن النَّبيِّينَ وإن وليي إبْراهيمُ (ثمَّ تَلا هذهِ الآيةَ) " (١). وكانَ - صلى الله عليه وسلم - أشبهَ ولدِ إبْراهيمَ بهِ صورةً ومعنًى، حتَّى إنَّهُ أشْبَهَهُ في خُلَّةِ اللهِ تَعالى، فقال: "إنَّ الله اتَّخَذني خليلًا كما اتَّخَذَ إبْراهيمَ خليلًا" (٢).

• الثَّاني: بشارةُ عيسى عليهِ السَّلامُ بهِ، وعيسى آخرُ أنبياءِ بني إسرائيلَ، وقد قال


(١) (صحيح). رواه: وكيع في "تفسيره" (آل عمران ٦٨ - ابن كثير)، وأحمد (١/ ٤٠٠ و ٤٢٩)، وعبد بن حميد، والترمذي (٤٨ - التفسير، ٤ - آل عمران، ٥/ ٢٢٣/ ٥٩٩٥)، والبزّار (١٩٧٣ و ١٩٨١)، والطبري (٧٢١٢ و ٧٢١٣)، وابن أبي حاتم (ص ٦٠ - أسباب النزول)، والحاكم (٢/ ٢٩٢ و ٥٥٣)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص ٦٠)؛ من طرق، عن الثوري، عن أبيه سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، [عن مسروق]، عن ابن مسعود … رفعه. وهؤلاء ثقات رجال الشيخين. لكن قال البزار: "لا نعلم أحدًا وصله إلّا أبو أحمد الزبيري عن الثوري، ورواه غيره عن الثوري عن أبيه عن أبي الضحى عن ابن مسعود". قلت: بلى وصله أيضًا محمّد بن عمر الواقدي ومحمّد بن عبيد الطنافسيّ عند الحاكم، والواقديّ متّهم، والزبيريّ يخطئ في حديث الثوري، والطنافسيّ ثقة حافظ من رجال الشيخين، فالأصل فيما زاده القبول، لكنّه خالف الفضل بن دكين ويحيى القطّان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيعًا، وهؤلاء جبال أسقطوا مسروقًا، فلا يطمئنّ القلب إلى رواية من خالفهم، ولذلك قال الترمذي في روايتهم: "هذا أصحّ من حديث أبي الضحى عن مسروق".
ثمّ وجدت سعيد بن منصور رواه في "السنن" (٥٠١) عن أبي الأحوص، عن سعيد، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، .. رفعه. وأبو الأحوص ثقة متقن، ومتابعته تزيدنا ثقة بأنّ لرواية من أثبت مسروقًا في هذا السند أصلًا أصيلًا.
وقد صحّح الحاكم هذا الحديث على شرطهما ووافقه الذهبي والألباني.
(٢) رواه مسلم (٥ - المساجد، ٣ - بناء المساجد على القبور، ١/ ٣٧٧/ ٥٣٢) عن جندب البجليّ.

<<  <   >  >>