للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرُّؤيا هنا إنْ أُريدَ بها رؤيا المنامِ:

فقدْ رُوِيَ أنَّ آمِنَةَ بنتَ وَهْبٍ رَأتْ في أوَّلِ حملِها بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّها بُشِّرَتْ بأنَّهُ يَخْرُجُ منها عندَ ولادتِها نورٌ تُضيءُ لهُ قصورُ الشَّامِ (١).

ورَوى الطَّبَرانِي بإسنادِهِ: عن أبي مَرْيَمَ (٢) الكِنْدِيِّ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّهُ سُئِلَ: أيُّ شيءٍ كانَ أوَّل مِن أمرِ نبوَّتكَ؟ قالَ: "أخَذَ اللهُ منِّي الميثاقَ كما أخَذَ مِن النَّبيِّينَ ميثاقَهُم (وتَلا: {[وَإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثاقَهُمْ] (٣) وَمِنْكَ وَمِنْ نوحٍ} الآيةَ [الأحزاب: ٧])، وبُشرى المسيحِ بن مَرْيَمَ، ورَأتْ أُمُّ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في منامِها أنَّهُ خَرَجَ مِن بين يديها سراجٌ أضاءَتْ لها منهُ قصورُ الشَّامِ". ثمَّ قالَ: "ووراءَ ذلكَ"؛ مرَّتينِ أو ثلاثًا (٤).

* وإنْ أُريدَ بها رؤيةُ عينٍ: كما قالَ ابنُ عَبَّاسٍ في قولِ اللهِ تَعالى {وَما جَعَلْنا الرُّؤيا التي أرَيْناكَ إلَّا فِتْنةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: ٦٠]: إنَّها رؤيةُ عينٍ أُرِيَها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ أُسْرِيَ بهِ؛ فقدْ رُوِيَ أن آمِنَةَ رَأتْ ذلكَ عندَ ولادةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

قالَ ابنُ إسْحاقَ: كانَتْ آمِنَةُ بنتُ وَهْبٍ تُحَدِّثُ أنَّها أُتِيَتْ حينَ حَمَلَتْ برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقيلَ لها: إنَّكِ حَمَلْتِ بسيِّدِ هذهِ الأُمَّةِ، فإذا وَقَعَ إلى الأرضِ؛ فقولي: أُعيذُهُ


(١) ذكره ابن إسحاق في "السيرة" (ص ٢٢/ نصّ ٢٨) بغير سند، وسيأتي لفظه في الصفحة التالية.
وفي استشهاد المصنّف يرحمه الله به هنا نظر؛ لأنّ البشارة بخروج النور - إن صحّت - دليل على أنّ النور سيخرج حقيقة عند الولادة. نعم؛ يمكن أن يستشهد للرؤيا المناميّة بحديث خالد بن معدان الصحيح عن نفر من الصحابة، وقد تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٢٠١). ويستأنس لها أيضًا بحديث شدّاد بن أوس عند: ابن جرير (١/ ٤٥٦)، وابن عساكر (٤/ ٤٦٦ - ٤٧٠)؛ على ضعف فيه.
(٢) في خ وم: "عن أبي مرّة"، والصواب ما أثبتّه من ن وط، وهو صحابيّ اسمه عمرو بن مرّة، ولعلّه من هنا جاء التحريف. والله أعلم.
(٣) ليست في خ وم ون، استفدتها من ط و"المعجم الكبير".
(٤) (حسن بشواهده). رواه: ابن أبي عاصم في "المولد" (٢/ ٢٩٢ - بداية) و"الآحاد" (٢٤٤٦)، والطبراني في "الكبير" (٢٢/ ٣٣٣/ ٨٣٥) و "الشاميّين" (٩٨٤)، وابن مردويه (الأحزاب ٧ - الدرّ)، وأبو نعيم في "الدلائل"؛ من طريق بقيّة، ثنا صفوان بن عمرو، عن حجر بن مالك (وقال الطبراني: حجر بن حجر) الكندي، عن أبي مريم الكندي … رفعه. قال الهيثمي (٨/ ٢٢٧): "رجاله وثّقوا". قلت: حجر بن حجر مجهول أن وثّقه ابن حبّان.
لكن يشهد لأوّله حديث أُبيّ بن كعب عند ابن أبي عاصم في "السنّة" (٤٠٧)، ولآخره حديث العرباض المتقدّم أوَّل هذا المجلس وشواهده المذكورة فيه، فهو حسن بهذه الشواهد.

<<  <   >  >>