للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مالَهُ كلَّهُ نثارًا لهذهِ العروسِ، فأخْرَجَ عُمَرُ النِّصفَ موافقةً لهُ، فقامَ عُثْمانُ بوليمةِ العرسِ فجَهَّزَ جيشَ العسرةِ، فعَلِمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ أن الدُّنيا ضرَّةُ هذهِ العروس وأنَّهُما لا يَجْتَمِعانِ فبَتَّ طلاقَها ثلاثًا.

فالحمدُ للهِ الذي خَصَّنا بهذهِ الرَّحمة، وأسْبَغَ علينا هذهِ النِّعمة، وأعْطانا ببركةِ نبيِّنا هذهِ الفضائلَ الجمَّة، فقالَ لنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [أُخْرِجَتْ لِلنَّاس]} [آل عمران: ١١٠].

مِن أينَ في الأُممِ مثلُ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق، أو عُمَرَ الذي ما سَلَكَ طريقًا إلَّا هَرَبَ الشَّيطانُ مِن ذلكَ الطَّريق، أو عُثْمانَ الصَّابرِ على مُرِّ الضِّيق، أو عَلِيٍّ بحرِ العلمِ العميق، أو حَمْزَةَ والعَبَّاس؟! {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس}.

أفيهِم مثلُ طلحةَ والزُّبَيْرِ القرينين، أو مثلُ سَعْدٍ وسَعيدٍ؟! هيهاتَ! مِن أين؟ أو مثلُ ابن عَوْفٍ وأبي عُبَيْدَةَ؟ ومَن مثلُ الاثنين؟ إن سَبَّهْتُم بهِم؛ فقد أبْعَدْتُمُ القياس! {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس}.

مِن أينَ في زهَّادِ الأُممِ مثلُ أُوَيْس، أو في عبَّادِهِم مثلُ عامِرِ بن عَبْدِ قَيْس، أو في خائفيهِمْ مثلُ عُمَرَ بنُ عَبْدِ العَزيز؟! هيهاتَ! ليسَ ضوءُ الشَّمس كالمقباس! {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس}.

أفي علمائِهِم مثلُ أبي حَنِيفَةَ ومالِك، والشَّافِعِيِّ الشَّديد المسالِك، كيفَ تَمْدَحُهُ وهوَ أجلُّ مِن ذلك؟ ما أحْسَنَ بنيانَهُ والأساس! {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاس}.

أفيهِم أعلى مِن الحَسَنِ البَصْرِيِّ وأنبل، أو ابن سِيرِينَ الذي بالورعِ تَقَبَّل، أو سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ الذي بالخوفِ والعلمِ تَسَرْبَل، أو مثلُ أحْمَدَ الذي بَذَلَ نفسَهُ للهِ وسَبَّل، تاللهِ ما في الأُممِ مثلُ ابن حَنْبَل، ارْفَعْ صوتَكَ بهذا ولا باس، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} [آل عمران: ١١٠].

لاحَ شَيْبُ الرَّأْسِ مِنِّي وَنَصَحْ (١) … بَعْدَ لَهْوٍ وَشَبابٍ وَمَرَحْ


(١) نصح الشيب: تكاثر حتّى غدا الرأس شيئا خالصًا.

<<  <   >  >>