للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[آل عمران: ١٦٤]؛ فإن النِّعمةَ على الأُمَّةِ بإرسالِهِ أعظمُ مِن النِّعمةِ عليهِم بإيجادِ السَّماءِ والأرضِ والشَّمسِ والقمرِ والليلِ والنهارِ والرِّياحِ وإنزالِ المطرِ وإخراجِ النَّباتِ وغيرِ ذلكَ؛ فإنَّ هذهِ النِّعمةَ كلَّها قد عَمَّتْ خلقًا مِن بني آدَمَ كَفَروا باللهِ وبرسلِهِ وبلقائِهِ فبَدَّلوا نعمةَ اللهِ كفرًا، وأمَّا النِّعمةُ بإرسالِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّـ[ـهُ] (١) بها تَمَّتْ مصالحُ الدُّنيا والآخرةِ، وكَمَلَ بسببِها دينُ اللهِ الذي رَضِيَهُ لعبادِهِ، وكانَ قبولُهُ سببَ سعادتِهِم في دنياهُم وآخرتهِم. فصيامُ يومٍ تَجَدَّدَتْ فيهِ هذهِ النِّعمُ مِن اللهِ على عباده المؤمنينَ حسنٌ جميلٌ، وهوَ مِن بابِ مقابلةِ النِّعمِ في أوقاتِ تجدُّدِها بالشُّكر (٢).

ونظيرُ هذا صيامُ يومِ عاشوراءَ حيثُ أنْجى اللهُ فيهِ نوحًا مِن الغرقِ ونَجَّى فيهِ مواسى وقومَهُ مِن فِرْعَوْنَ وجنودِهِ وأغْرَقَهُم في اليمِّ، فصامَهُ نوحٌ وموسى عليهِما السَّلامُ شكرًا، وصامَهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - متابعةً لأنبياءِ اللهِ، وقالَ لليهودِ: "نحنُ أحقُّ بموسى منكُم"، فصامَهُ وأمَرَ بصيامِهِ (٣).

وقد رُوِيَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَتَحَرَّى صيامَ يومِ الاثنينِ ويومِ الخميسِ؛ رُوِيَ ذلكَ عنه مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ وعائِشَة (٤) وأُسامةَ بن زَيْدٍ:


(١) لا بدّ من إضافة الهاء هنا؛ لأنّ اسم إنّ لا يكون جملة ولا شبه جملة.
(٢) لا يشرع للمسلم أن يختصّ يومًا بعينه - مهما كان هذا اليوم - بعبادة بعينها بمجرّد الرأي والاستحسان! هذا باب لا بدّ فيه من سنة صحيحة! ومن تنكّب هذا القيد وأعرض عنه؛ فقد فتح واحدًا من أخطر أبواب الضلالة وأحبّها إلى الصوفية وأهل البدع. وأهل الاتباع هم أسعد الناس بسنّة نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - فعلا وتركًا، فما شرعه - صلى الله عليه وسلم - من العبادات في أيّام تجدّد النعم - كصيام الاثنين وعاشوراء - استحبّوه وفعلوه، وما تركه وأعرض عنه - كصيام يوم الهجرة وقيام ليلة الإسراء - لم يستحسنوه ولم يفعلوه.
(٣) متّفق عليه. تقدّم تفصيل القول في لفظه وتخريجه (ص ١٢٣).
(٤) (صحيح). رواه: إسحاق (٣/ ٩٥٥/ ١٦٦٤ و ١٦٦٥)، وأحمد (٦/ ٨٠ و ٨٩ و ١٠٦)، وابن ماجه (٧ - الصيام، ٤١ - عاشوراء، ١/ ٥٥٣/ ١٧٣٩)، والترمذي (٦ - الصوم، ٤٤ - الاثنين والخميس، ٣/ ١٢١/ ٧٤٥)، والنسائي في "المجتبى" (٢٢ - الصيام، ٣٦ - الاختلاف على ابن معدان، ٤/ ١٥٣/ ٢١٨٥ و ٢١٨٦ و ٢٣٥٩ - ٢٣٦٣) و"الكبرى" (٢٤٩٦ و ٢٤٩٧ و ٢٦٦٧ و ٢٦٧٠ - ٢٦٧٣ و ٢٧٨٦)، وأبو يعلى في "المسند" (٤٧٥١) و"المعجم" (٣١)، وابن خزيمة (٢١١٦)، والمحاملي (١١٢)، وابن حبّان (٣٦٤٣)، والطبراني في "الأوسط" (٣١٧٨) و"الشاميّين" (٤٣٩ و ١١٥٦)، وأبو نعيم في "الحلية" (٧/ ١٢٣)، والذهبي في "النبلاء" (١٣/ ٥٦٣) و"التذكرة" (٢/ ٦٥٦)؛ من طرق ثلاث، عن عائشة … رفعته.
وإحدى هذه الطرق صحيحة لذاتها، والثانية حسنة لذاتها، والثالثة فيها خلاف وصلًا وإرسالًا وتردّد =

<<  <   >  >>