للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَأْكُلُهُ الهوامُّ ويُبْليهِ التُّرابُ حتَّى يَعودَ ترابًا، وأنَّ الرُّوحَ المفارقةَ [لهُ] لا تَدْري أينَ مستقرُّها؛ هلْ هوَ الجنَّةُ أوِ النَّارُ؟ فإنْ كانَ عاصيًا مصرًّا على المعصيةِ إلى الموتِ؛ فربَّما غَلَبَ على ظنِّهِ أن روحَهُ تَصيرُ إلى النَّارِ، فتَتَضاعَفُ بذلكَ حسرتُهُ وألمُهُ، وربَّما كُشِفَ لهُ معَ ذلكَ عن مقعدِهِ مِن النَّارِ فيَراهُ أوْ يُبَشَّرُ بذلكَ، فيَجْتَمعُ لهُ معَ كربِ الموتِ وألمِهِ العظيمِ معرفتُهُ بسوءِ مصيرِهِ، وهذا هوَ المرادُ بقولِهِ عَزَّ وجَل {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩)} [القيامة: ٢٩] على ما فَسَّرَهُ بهِ كثيرٌ مِن السَّلفِ، فيَجْتَمعُ عليهِ سكرةُ الموتِ معَ حسرةِ الفوتِ، فلا تَسْألْ عن سوءِ حالِهِ.

وقدْ سَمَّى اللهُ تَعالى ذلكَ سكرةً؛ لأنَّ ألمَ الموتِ معَ ما يَنْضَمُّ إليهِ يُسْكِرُ صاحبَهُ فيَغيبُ عقلُهُ غالبًا؛ قالَ تَعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: ١٩].

ألا لِلْمَوْتِ كَأْسٌ أيُّ كَاسِ … وَأنْتَ لِكَأْسِهِ لا بُدَّ حاسي

إلى كَمْ وَالمَماتُ إلى قَريبٍ … تُذَكَّرُ بِالمَماتِ وَأنْتَ ناسي

• وقدْ أمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكثرةِ ذكرِ الموتِ:

فقالَ: "أكْثِروا ذكرَ هاذِمِ اللذاتِ؛ الموتِ" (١).


(١) (صحيح). وقد جاء عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم:

• فرواه: أبو نعيم في "الحلية" (٦/ ٣٥٥) من طريق عبد الملك بن يزيد، ثنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيّب، عن عمر … رفعه. وعبد الملك هذا متّهم بغير ما حديث باطل على جهالته، وقد تفرّد عن مالك بهذا دون ثقات أصحابه، فبان أنّه ممّا صنعت يداه.

• ورواه: الترمذي (٣٨ - القيامة، ٢٦ - باب، ٤/ ٦٣٩/ ٢٤٦٠)، والبيهقي في "الشعب" (٨٢٨)؛ من طريق القاسم بن الحكم العرني، ثني عبيد الله بن الوليد الوصافي، عن عطيّة، عن أبي سعيد … رفعه. قال الترمذي: "حسن غريب". قلت: بل ضعيف ساقط: العرني فيه لين، والوصافي واه في حدّ الترك، وعطية واه سيّئ التدليس جدًّا وقد عنعن.

• ورواه: ابن المبارك في "الزهد" (١٤٥)، والبغوي في "السنّة" (١٤٤٧)؛ من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعبد الرحمن ضعيف، فالسند ضعيف على إرساله.

• ورواه: الطبراني في "الأوسط" (٥٧٧٦)، والعسكري في "الأمثال "، وابن جميع في "شيوخه" (ص ٢٤٥/ رقم ٢٠١)، والقضاعي (٦٧١)، والبيهقي في "الشعب" (١٠٥٥٨)؛ من طريق القاسم بن محمّد أبي عامر الأسدي، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر … رفعه. قال الطبراني: "لم يروه عن ابن عمر إلَّا أبو عامر الأسدي". وقال الهيثمي (١٠/ ٣١٢): "إسناده حسن". قلت: الأسدي مجهول أو مستور.

• ورواه: ابن المبارك في "الزهد" (١٤٦)، وابن أبي شيبة (٣٤٣١٥ و ٣٤٣١٦)، وأحمد (٢/ ٢٩٢)،=

<<  <   >  >>