للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وما زالَ - صلى الله عليه وسلم - يُعَرِّضُ باقترابِ أجلِهِ في آخرِ عمرِهِ:

فإنَّهُ لمَّا خَطَبَ في حجَّةِ الوداعِ؛ قالَ للنَّاسِ: "خُذوا عنِّي مناسكَكُم، فلعلِّي لا أَلْقاكُم بعدَ عامي هذا" (١). وطَفِقَ يُوَدِّعُ النَّاسَ، فقالوا: هذهِ حجَّةُ الوداعِ.

فلمَّا رَجَعَ مِن حجَّتِهِ إلى المدينةِ؛ جَمَعَ النَّاسَ بماءٍ يُدْعى خُمًّا في طريقِهِ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، فخَطَبَهُم وقالَ: "أيُّها النَّاسُ! إنَّما أنا بشرٌ (٢)، يُوشِكُ أنْ يَأْتِيَني رسولُ ربِّي فأُجيبَ". ثمَّ حَضَّ على التَّمسُّكِ بكتابِ اللهِ، ووَصى بأهلِ بيتِهِ (٣).

• ثمَّ إنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا بَدَأ بهِ مرضُ الموتِ؛ خُيِّرَ بينَ لقاءِ اللهِ وبينَ زهرةِ الدُّنيا والبقاءِ فيها [ما شاءَ اللهُ] فاخْتارَ لقاءَ اللهِ وخَطَبَ النَّاسَ وأشارَ إليهِم بذلكَ إشارةً مِن غيرِ تصريحٍ.

وكانَ ابتداءُ مرضِهِ في أواخرِ شهرِ صَفَرَ.

وكانَتْ مدَّةُ مرضِهِ ثلاثةَ عشرَ يومًا في المشهورِ. وقيلَ: أربعةَ عشرَ يومًا. وقيلَ: اثنا عشرَ يومًا. وقيلَ: عشرةُ أيام. وهو غريبٌ.

وكانَتْ خطبتُهُ التي خَطَبَ بها في حديثِ أبي سَعيدٍ هذا الذي نتكَلَّمُ عليهِ هاهُنا في ابتداءِ مرضِهِ.

ففي "المسند" و"صحيح ابن حِبَّان": عن أبي سَعيدٍ؛ قالَ: خَرَجَ إلينا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في مرضِهِ الذي ماتَ فيهِ وهوَ معصوبُ الرَّأْسِ، فقامَ على المنبرِ، فقالَ: "إنَّ عبدًا عُرِضَتْ عليهِ الدُّنيا وزينتُها، فاخْتارَ الآخرةَ". قالَ: فلمْ يَفْطَنْ لها أحدٌ مِن القومِ إلَّا أبو بَكْرٍ، فقالَ: بأبي وأُمِّي، بل نَفْديكَ بأموالِنا وأولادِنا وأنفسِنا. قالَ: ثمَّ هَبَطَ عن المنبرِ فَما رُئِيَ عليهِ حتَّى السَّاعةِ (٤).


(١) رواه مسلم (١٥ - الحجّ، ٥١ - استحباب رمي جمرة العقبة، ٢/ ٩٤٣/ ١٢٩٧).
(٢) في خ: "بشر مثلكم "، وهذا وهم من الناسخ ليس في متن الحديث ولا في م ون وط.
(٣) رواه مسلم (٤٤ - الصحابة، ٤ - فضائل علي، ٤/ ١٨٧٣/ ٢٤٠٨) من حديث زيد بن أرقم.
(٤) (صحيح). رواه: ابن أبي شيبة (٣٧٠٢٦)، وابن سعد (٢/ ٢٣٠)، وأحمد في "المسند" (٣/ ٩١) و"فضائل الصحابة" (١٥٤)، وعبد بن حميد (٩٦٤)، والدارمي (١/ ٣٦)، وأبو يعلى (١١٥٥)، وابن حبّان (٦٥٩٣)، والحاكم (٤/ ٢٨٢)؛ من طريق أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد … رفعه.

<<  <   >  >>