للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي "المسند": عن أبي مُوَيْهِبَةَ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ ليلةً إلى البقيعِ، فاسْتَغْفَرَ لأهلِ البقيعِ، وقالَ: "لِيَهْنِكُم ما أصبَحْتُمْ فيهِ ممَّا أصْبَحَ فيهِ النَّاسُ. أقْبَلَتِ الفتنُ كقطعِ الليلِ المظلمِ، يَتْبَعُ بعضُها بعضًا، يَتْبَعُ آخرُها أوَّلَها، الآخرةُ شرٌّ مِن الأُولى". ثمَّ قالَ: "يا أبا مُوَيْهِبَةَ! إنِّي قد أُعْطيتُ خزائنَ الدُّنيا والخلدَ ثمَّ الجنة، فخُيِّرْتُ بينَ ذلكَ وبينَ لقاءِ ربِّي والجنَّةِ، فاخْتَرْتُ لقاءَ ربِّي والجنَّةَ". ثمَّ انْصَرَفَ. فابْتَدَأهُ وجعُهُ الذي قَبَضَهُ اللهُ فيهِ (١).

لمَّا قَوِيَتْ معرفةُ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - بربِّهِ؛ ازْدادَ حبُّهُ وشوقُهُ إلى لقائِهِ، فلمَّا خُيِّرَ بينَ البقاءِ في الدُّنيا وبينَ لقاءِ ربِّهِ؛ اخْتارَ لقاءَهُ على خزائنِ الدُّنيا والبقاءِ فيها.

سُئِلَ الشِّبْلِيُّ: هلْ يَقْنَعُ المحبُّ بشيءٍ مِن حبيبِهِ دونَ مشاهدتِهِ؟ فأنْشَدَ:


= قال الحاكم: "على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، قلت: أبو يحيى - واسمه سمعان - لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، بل هو فوق ذلك. وأصل الحديث عند الشيخين كما سيأتي قريبًا، لكن ليس عندهما ذكر خروجه - صلى الله عليه وسلم - عاصب الرأس، وإنّما جاء خروجه عاصب الرأس عندهما من حديث ابن عبّاس.
(١) (حسن صحيح). رواه: ابن إسحاق في "السيرة" (٤/ ٣٢٠ - ابن هشام)، وخليفة بن خيّاط (٤/ ١٨٨ - إصابة)، وابن أبي شيبة (١١٧٨٩)، وأحمد (٣/ ٤٨٨ و ٤٨٩)، والدارمي (١/ ٣٦)، والبخاري في "التاريخ" (٥/ ٤٤٥) و"الكنى" (٧٣)، وابن أبي عاصم في "الآحاد" (٤٦٧)، والبزّار (٨٦٣ - كشف)، والروياني (١٥٠٨)، والدولابي في "الكنى" (٣٣٣ و ٣٣٤)، والطبري في "التاريخ" (٢/ ٢٢٦)، والطبراني (٢٢/ ٣٤٦ و ٨٧١ و ٨٧٢)، والدارقطني في "العلل" (١١٨٤)، والحاكم (٣/ ٥٥ و ٥٦)، والبيهقي في "الدلائل" (٧/ ١٦٢ و ١٦٣)، والخطيب (٨/ ٢٢٢)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (٢٠/ ١١١)، وابن عساكر (٤/ ٢٩٨ - ٣٠٠)، وابن الأثير في "الغابة" (٥/ ١١٢)؛ من طريقين، عن عبيد بن حنين (وتحرّف مرّة إلى عبيد بن جبير)، [عن ابن عمرو]، عن أبي مويهبة … رفعه. وفيه علّتان: أولاهما: أنّ الطريقين إلى عبيد فيهما ضعف، في الأولى الحكم بن فضيل مقبول، وفي الثانية عبد الله بن عمر العبلي مجهول، والثانية: أنّهم اختلفوا في إثبات عبد الله بن عمرو وإسقاطه، ورجّح الدارقطني إثباته، والطريق التالية تدلّ على صحّة هذا الترجيح.
ورواه: الدولابي في "الكنى" (٣٣٥)، وأبو نعيم في "الحلية" (٢/ ٢٧)، وابن عساكر في "التاريخ" (٤/ ٣٠٠)؛ من طريق ابن إسحاق، عن أبي مالك بن ثعلبة، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن ابن عمرو، عن أبي مويهبة … رفعه. وأبو مالك مستور.
ورواه ابن سعد (٢/ ٢٠٤) عن محمّد بن عمر، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي مويهبة … رفعه، والواقديّ متّهم وإسحاق متروك.
فالحديث حسن بطريقيه الأوليين، والثالثة إن لم تفده فلن تضرّه، ولمفرداته شواهد عدّة من مخرّجات الصحيحين وغيرهما، فهو صحيح بها، وقد قوّاه الحاكم وابن عبد البر والذهبي والهيثمي والعسقلاني.

<<  <   >  >>