للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واللهِ لَوْ أنَّكَ تَوَّجْتَني … بِتاجِ كِسْرى مَلِكِ المَشْرِقِ

وَلَوْ بِأمْوالِ الوَرى جُدْتَ لي … أمْوالِ مَنْ بادَ وَمَنْ قَدْ بَقِي

وَقُلْتَ [لي] لا نَلْتَقي ساعَةً … إِخْتَرْتُ يا مَوْلايَ أنْ نَلْتَقي

• لمَّا عَرَّضَ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - على المنبرِ باختيارِهِ اللقاءَ على البقاءِ ولمْ يُصَرِّحْ؛ خَفِيَ المعنى على كثيرٍ ممَّن سَمعَ، ولمْ يَفْهَمِ المقصودَ غيرُ صاحبِهِ الخصيصِ بهِ ثانِي اثْنَيْنِ إذْ هُما في الغارِ، وكانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أعلمَ الأُمَّةِ بمقاصدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا فَهِمَ المقصودَ مِن هذهِ الإشارةِ؛ بَكَى وقال: بل نَفْديكَ بأموالِنا وأنفسِنا وأولادِنا، فسَكَّنَ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - جزعَهُ، وأخَذَ في مدحِهِ والثَّناءِ عليهِ على المنبرِ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ كلهُم فضلَهُ، فلا يَقَعُ عليهِ اختلافٌ في خلافتِهِ:

فقال: "إنَّ مِن أمنِّ النَّاسِ عليَّ في صحبتِهِ ومالِهِ أبو بَكْرٍ" (١).

وفي روايةٍ أخرى أنَّهُ قال: "ما لأحدٍ عندَنا يدٌ إلَّا وقدْ كافَيْناهُ، ما خَلا أبا بَكْرٍ؛ فإنَّ لهُ عندَنا يدًا يُكافِئُهُ اللهُ يومَ القيامةِ بها، وما نَفَعَني مالُ أحدٍ قطُّ ما نَفَعَني مالُ أبي بَكْرٍ" (٢). خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ.

ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: "لو كُنْتُ متَّخذًا مِن أهلِ الأرضِ خليلًا؛ لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ خليلًا، ولكنْ أُخوَّةُ الإسلامِ" (٣).

لمَّا كانَ الرَّسول صَلى اللهُ عليهِ وسَلمَ خليلَ اللهِ؛ لمْ يَصْلُحْ لهُ أنْ يُخالِلَ مخلوقًا؛ فإنَّ الخليلَ مَن جَرَتْ محبّةُ خليلِهِ منهُ مجرى الرُّوحِ، ولا يَصْلُحُ هذا


(١) رواه: البخاري (٨ - الصلاة، ٨٠ - الخوخة والممرّ، ١/ ٥٥٨/ ٤٦٦)، ومسلم (٤٤ - الصحابة، ١ - فضل أبي بكر، ٤/ ١٨٥٤/ ٢٣٨٢)؛ من حديث أبي سعيد الخدريّ.
(٢) (ضعيف بهذا التمام). رواه الترمذي (٥٠ - المناقب، ١٥ - باب، ٥/ ٦٠٩/ ٣٦٦١) من طريق محبوب بن محرز، عن داوود الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة … رفعه.
قال الترمذي: "حسن غريب". قلت: محبوب ليّن، وداوود ضعيف، وقد تفرّدا بهذا السياق على ما فيه من الزيادات التي لم تأت في شيء من طرق حديث أبي هريرة ولا الأحاديث الأُخرى التي ساقها أهل العلم في الباب. ومع هذا فقد صحّحه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"، فكأنّه نظر للمعنى العامّ ولم يتفرّغ للتحقيق فيما فيه من الزيادة. والله أعلم.
(٣) قطعة من حديث أبي سعيد المتّفق عليه الذي تقدّم تخريجه آنفا.

<<  <   >  >>