للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنَّهُ الحديثُ الذي كانَ يُحَدِّثُناهُ. وهوَ صحيحٌ. وكانَتْ تلكَ آخرَ كلمةٍ تكلَّمَ بها (١).

وفي روايةٍ أنَّهُ قالَ: "اللهمَّ! اغْفِرْ لي وارْحَمْني وألْحِقْني بالرَّفيقِ الأعلى" (٢).

وفي روايةٍ أنَّهُ أصابَهُ بُحَّةٌ شديدةٌ، فسَمِعَتْهُ تقولُ: " {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] ". قالَتْ: فظَنَنْتُ أنَّهُ خُيِّرَ (٣).

وهذهِ الرِّواياتُ مخرَّجةٌ في "صحيح البُخاريِّ" وغيرِهِ.

وقد رُوِيَ ما يَدُلُّ على أنَّهُ قُبِضَ ثمَّ رَأى مقعدَهُ مِن الجنَّةِ ثُمَّ رُدَّتْ إليهِ نفسُهُ ثمَّ خُيِّرَ: ففي "المسند" عن عائِشَةَ؛ قالَتْ: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "ما مِن نبيٍّ إلَّا تُقْبَضُ نفسُهُ ثم يَرى الثَّوابَ ثمَّ تُرَدُّ إليهِ فيُخَيَّرُ بينَ أنْ تُرَدَّ إليهِ إلى أنْ يُلْحَقَ". فكُنْتُ قد حَفِظْتُ ذلكَ منهُ، فإنِّي لمسندتُهُ إلى صدري، فنَظَرْتُ إليهِ حتَّى مالَتْ عنقُهُ، فقُلْتُ: قد قَضى. قالَتْ: فعَرَفْتُ الذي قالَ، فنَظَرْتُ إليهِ حتَّى ارْتَفَعَ ونَظَرَ، فقُلْتُ: إذًا واللهِ لا يَخْتارُنا، فقالَ: "مَعَ الرَّفيقِ الأعْلى في الجَنَّةِ، {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: ٦٩] إلى آخرِ الآيةِ" (٤).


(١) رواه: البخاري (٦٤ - المغازي، ٨٣ - مرضه - صلى الله عليه وسلم -، ٨/ ١٣٦/ ٤٤٣٧)، ومسلم (٤٤ - الصحابة، ١٣ - فضل عائشة، ٤/ ١٨٩٤/ ٢٤٤٤).
(٢) قطعة من الحديث المتقدّم قبله رواها: البخاري (الموضع السابق، ٨/ ١٣٨/ ٤٤٤٠)، ومسلم (الموضع السابق، ٤/ ١٨٩٣/ ٢٤٤٤).
(٣) قطعة من الحديث المتقدّم آنفًا رواها: البخاري (الموضع السابق، ٨/ ١٣٦/ ٤٤٣٥)، ومسلم (الموضع السابق، ٤/ ١٨٩٣/ ٢٤٤٤). ووقع في خ: "يخيّر"، وما أثبتّه من م و ن وط أولى بلفظ الصحيح.
(٤) (ضعيف). رواه: ابن سعد (٢/ ٢٢٩)، وأحمد (٦/ ٧٤)؛ من طريق كثير بن زيد، عن المطّلب بن عبد الله؛ قال: قالت عائشة … فذكرته. قال الهيثمي (٩/ ٣٩): "أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح". قلت: كثير يخطيء وما هو من رجال الصحيح، ورواية المطّلب عن عائشة غير ثابتة، والنصّ هنا ظاهر الإرسال. فالسند ضعيف لانقطاعه.
ورواه الطبراني في "الأوسط" (٧٨٤١) من طريق صالح بن عمرو، عن مطرّف بن طريف، عن بشير بن مسلم، عن كثير بن عبيد مولى عائشة، عن عائشة … بنحوه. وصالح بن عمرو منكر الحديث؛ إلَّا أن يكون تحريفًا صوابه صالح بن عمر، فهذا ثقة، وفي القلب أنّه كذلك. وبشير بن مسلم مجهول.
فالطريقان ضعيفتان، وجاءتا بزيادة غريبة مخالفة لرواية الثقات على الأوجه المتقدّمة، فبان أنّها رواية بالمعنى، وأنّ المعروف في هذا رواية الشيخين وغيرهما للحديث على الوجه المتقدّم آنفًا. والله أعلم.

<<  <   >  >>