للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليَّ موتي، كأنِّي أرى كفَّيها يَعْني: عائِشَة (١).

كانَ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ عائِشَةَ حبًّا شديدًا، حتَّى لا يَكادُ يَصْبِرُ عنها، فمُثِّلَتْ لهُ بينَ يديهِ في الجنَّةِ لِيُهَوَّنَ عليهِ موتُهُ؛ فإنَّ العيشَ إنَّما يَطيبُ باجتماعِ الأحبّةِ. وقد سَألَهُ رجلٌ: أيُّ النَّاسِ أحبُّ إليكَ؟ [فـ]ـقالَ: "عائِشَةُ". [فـ]ـقالَ [لهُ]: فمِنَ الرِّجالِ؟ قالَ: "أبوها" (٢). ولهذا قالَ لها في ابتداءِ مرضِهِ لمَّا قالَتْ وارأْساهُ: "وَدِدْتُ أن ذلكَ كانَ وأنا حيٌّ، فأُصَلِّيَ عليكِ وأدْفِنَكِ" (٣)، فعَظُمَ ذلكَ عليها، وظَنَّتْ أنَّهُ يُحِبُّ فراقَها. وإنَّما كانَ يُريدُ تعجيلَها بينَ يديهِ لِيقْرُبَ اجتماعُهُما.

وقد كانَتْ عائِشَةُ مَضَغَتْ [لهُ - صلى الله عليه وسلم -]، سواكًا وطَيّبتْهُ بريقِها ثمَّ دَفَعَتْهُ إليهِ فاسْتَنَّ بهِ أحسنَ استنانٍ، ثمَّ ذَهَبَ يَتَناوَلُهُ فضَعُفَتْ يدُهُ عنهُ فسَقَطَ مِن يدِهِ الكريمةِ. فكانَتْ عائِشَةُ تَقولُ: جَمَعَ اللهُ بينَ ريقِهِ وريقي في آخرِ يومٍ مِن الدُّنيا وأوَّلِ يومٍ مِن الآخرةِ. والحديثُ مخرَّجٌ في الصَّحيحين (٤).

وفي حديثٍ خَرَّجَهُ العُقَيْلِيُّ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لها في مرضِهِ: "ائْتِيني بسواكٍ رطبٍ امْضَغِيهِ ثمَّ ائْتِيني بهِ أمْضَغُهُ؛ لكي يَخْتَلِطَ ريقي بريقِكِ لكي يُهَوَّنَ بهِ عليَّ عندَ الموتِ" (٥).


(١) (ضعيف). وهو أحد أوجه الاختلاف المتقدّمة في الحديث السابق نفسه.
(٢) رواه: البخاري (٦٢ - الصحابة، ٥ - لو كنت متّخذًا خليلًا، ٧/ ١٨/ ٣٦٦٢)، ومسلم (٤٤ - الصحابة، ١ - فضائل أبي بكر، ٤/ ١٨٥٦/ ٢٣٨٤).
(٣) متفق عليه. تقدّم بطوله وتخريجه (ص ٢٥٦).
(٤) البخاري (٦٤ - المغازي، ٨٣ - مرضه - صلى الله عليه وسلم -، ٨/ ١٤٤/ ٤٤٤٩ - ٤٤٥١)، ومسلم (٤٤ - الصحابة، ١٣ - فضائل عائشة، ٤/ ١٨٩٣/ ٢٤٤٣ - ٢٤٤٤) مختصرًا.
(٥) (موضوع). رواه: العقيلي (٢/ ٢٤٩)، والذهبي في "الميزان" (٢/ ٤١٥)؛ من طريق سهيل بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن داوود، ثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة … رفعته.
قال العقيلي: "لا يحفظ إلّا عن هذا الشيخ ولا يتابع عليه"؛ يعني: عبد الله بن داوود الواسطي وهو ضعيف منكر الحديث، وسهيل بن إبراهيم هو الجارودي مجهول، وقد أتيا بهذا المتن الغريب المخالف للنصوص الصحيحة الصريحة المخرّجة في الصحيحين وغيرهما عن ابن أبي مليكة وغيره في أنّ قصّة السواك وقعت اتّفاقًا عندما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر يستاك وأنّ عائشة رضي الله عنها هي التي تنبّهت لرغبته - صلى الله عليه وسلم - فبلّلته بريقها وقدّمته له - صلى الله عليه وسلم -، فبان أنّه ممّا صنعته أيديهما سهوًا أو عمدًا.

<<  <   >  >>