للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثلاثينَ (١). فأشارَ إلى أن الشَّهرَ هلاليٌّ، ثمَّ تارةً يَنْقُصُ وتارةً يَتِمُّ.

ولعل أهلَ النَّسيءِ كانوا يُتِمُّونَ الشُّهورَ كلَّها ويَزيدونَ عليها. واللهُ أعلمُ.

وقد قيلَ: إنَّ رَبيعَةَ ومُضَرَ كانوا يُحَرِّمونَ أربعةَ أشهرٍ مِن السَّنةِ معَ اختلافِهِم في تعيينِ رجبٍ منها، كما سَنَذْكُرُهُ إنْ شاءَ اللهُ. وكانَت بَنو عَوْفِ بن لُؤَيٍّ يُحَرِّمونَ مِن السَّنةِ ثمانيةَ أشهرٍ، وهذا مبالغةٌ في الزِّيادةِ على ما حَرَّمَهُ اللهُ تَعالى.

واخْتَلَفوا في أيِّ عامٍ عادَ الحجُ إلى ذي الحِجَّةِ على وجهِهِ، واسْتَدارَ الزَّمانُ فيهِ كهيئتِهِ: فقالَتْ طائفةٌ: إنَّما عادَ على وجهِهِ في حَجَّةِ الوداعِ، وأمَّا حَجَّةُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ؛ فكانَتْ [قد] وَقَعَتْ في شهرِ ذي القَعْدَةِ. هذا قولُ مُجاهِدٍ وعِكْرِمَةَ بن خالِدٍ وغيرِهِما. وقيلَ: إنَّهُ اجْتَمَعَ في ذلكَ العامِ حجُّ الأُممِ كلِّها في وقتٍ واحدٍ، فلذلكَ سُمِّيَ يومَ الحجِّ الأكبرِ. وقالَتْ طائفة: بل وَقَعَتْ حَجَّةُ الصِّدَيقِ في ذي الحِجَّةِ. قالَهُ الإمامُ أحْمَدُ، وأنْكَرَ قولَ مُجاهِدٍ، واسْتَدَلَّ بأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ عليًّا فنادى يومَ النَّحرِ: "لا يَحُجُّ بعدَ العامِ مشركٌ" (٢). وفي روايةٍ: "واليومُ يومُ الحجِّ الأكبرِ" (٣). وقد قالَ تَعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: ٣]، فسَمَاهُ يومَ الحجِّ الأكبرِ، وهذا يَدُلُّ على أن النِّداءَ وَقَعَ في ذي الحِجَّةِ.

وخَرَّجَ الطَبَرانِيُّ في "أوسطه" مِن حديثِ: عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّهِ؛ قالَ: كانَ العربُ يُحِلُّونَ عامًا شهرًا وعامًا شهرينِ، ولا يُصيبونَ الحجَّ إلَّا في كلِّ ستَّةٍ


(١) (ضعيف). رواه عكرمة بن خالد عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره المصنف، ولم أقف عليه بعد طول بحث، فإن صحّت الطريق إلى عكرمة فالسند ضعيف لإرساله.
وله شاهد رواه الخطيب في "الجمع والتفريق" (١/ ٣٨٣) من حديث ابن عبّاس بسند ساقط.
وقد جاءت خطبة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أوجه صحيحة وحسنة وضعيفة عن جماعة كبيرة من الصحابة لم يذكر أحد منهم فيها هذه الزيادة إلّا من هذين الوجهين ممّا يدلّ على نكارتها.
(٢) رواه: البخاري (٨ - الصلاة، ١٠ - ما يستر العورة، ١/ ٤٧٧/ ٣٦٩)، ومسلم (١٥ - الحجّ، ٧٨ - لا يحجّ البيت مشرك، ٢/ ٩٨٣/ ١٣٤٧).
(٣) هو أحد ألفاظ الحديث المتقدّم قبله عند البخاري (٥٨ - الجزية، ١٦ - كيف ينبذ إلى أهل العهد، ٦/ ٢٧٩/ ٣١٧٧)، لكنّه قال: "ويوم الحجّ الأكبر يوم النحر".

<<  <   >  >>