للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَتَكَلَّموا فيها.

• وأمَّا الصِّيامُ؛ فلمْ يَصِحَّ في فضلِ صومِ رجبٍ بخصوصهِ شيءٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابِهِ، ولكنْ رُوِيَ عن أبي قِلابةَ؛ قالَ: في الجنَّةِ قصرٌ لصوَّامِ رجبٍ. قالَ البَيْهَقِيُّ: أبو قِلابةَ مِن كبارِ التَّابعينَ لا يَقولُ مثلَهُ إلَّا عن بلاغٍ (١).

وإنَّما وَرَدَ في صيامِ الأشهرِ الحرمِ كلِّها حديثُ: مُجِيبَة (٢) الباهِلِيّةِ، عن أبيها (أو: عمِّها)؛ أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لهُ: "صُمْ مِن الحرمِ واتْرُكْ"؛ قالَها ثلاثًا (٣).

خَرَّجَهُ أبو داوودَ وغيرُهُ. وخَرَّجَهُ ابنُ ماجَهْ، وعندَهُ: "صُم أشهُرَ الحرمِ".

وقد كانَ بعضُ السَّلفِ يَصومُ الأشهرَ الحرمَ كلَّها، منهُمُ ابنُ عُمَرَ والحَسَنُ البَصرِيُّ وأبو إسْحاقَ السَّبِيعِيُّ (٤)، وقالَ الثَّوْرِيُّ: الأشهرُ الحرمُ أحبُّ إليَّ أنْ أصومَ فيها.

وجاءَ في حديثٍ خَرَّجَهُ ابنُ ماجَهْ؛ أن أُسامَةَ بنَ زيدٍ كانَ يَصومُ أشهرَ الحرم، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صُمْ شوَّالًا"، فتَرَكَ أشهرَ الحرمِ وصامَ شوَّالًا حتَّى ماتَ (٥). وفي إسناده انقطاعٌ.

وخَرَّجَ ابن ماجَهْ أيضًا بإسنادٍ فيهِ ضعفٌ عن ابن عَبَّاسٍ؛ أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) كذا في "فضائل الأوقات" (٢١). وفي هذا الكلام نظر لأمور: أوّلها: أنّ بلاغات أبي قلابة ليست حجة، بل قصاراها أن تكون في حكم المرسل، وما هو بالحجّة. والثاني: أنّه لا يبعد أن يكون أبو قلابة قد تلقّاه عن بعض الضعفاء أو عمّن تلقّاه عنهم، بل هذا هو المرجّح، ولذلك وقفه ولم يرسله. والثالث: أنّه صحّ عمّن هو أعظم من أبي قلابة كابن عبّاس وعمر بن الخطّاب النهي عن صيام رجب، فقول هذين الصحابيّين أولى أن يكون بلاغًا أم قول أبي قلابة؟!
(٢) في خ: "جحيفة"، وأشار إلى أنّه في نسخة "نجيبة"، وكلاهما تحريف صوابه ما أثبتّه من م وط.
(٣) (ضعيف). سيأتي نصّه مطوّلًا وتخريجه في وظائف شهر ذي القعدة.
(٤) ولا يسلم كثير من هذا من نظر في إسناده أو متنه أو مجموع ما ورد عن الرجل الواحد في الباب الواحد. فابن عمر مثلًا كان كثير الصيام في جميع الشهور رجب وغيره، وكان يكره أن يرى ما يعدّه الناس لرجب، وجاء عنه أنّه كره صوم رجب كلّه لا يفطر منه شيئًا كما سيأتي (ص ٢٨٧)، فمن روى عنه أنّه كان يصوم رجبًا كلّه؛ ففي روايته - على صدقه - قصور شديد في وصف حقيقة حاله ومذهبه في الباب. وكذلك الشأن مع الحسن والسبيعيّ سواء بسواء. والله أعلم.
(٥) (ضعيف). سيأتي تفصيل الكلام فيه (ص ٤٩١ - ٤٩٢).

<<  <   >  >>