للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المائدة: ٨٧] (١).

وفي "صحيح البخاريِّ" (٢)؛ أن سَلْمانَ زارَ أبا الدَّرْداءِ، وكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد آخى بينَهُما، فرَأى أُمَّ الدَّرْداءِ متبذِّلةً، فقالَ لها: ما شأْنُكِ متبذِّلةً؟ فقالَتْ: إنَّ أخاكَ أبا الدَّرْداءِ لا حاجةَ لهُ في الدُّنيا. فلمَّا جاءَ أبو الدَّرْداءِ؛ قَرَّبَ لهُ طعامًا. فقالَ لهُ: كُلْ. قالَ: إنِّي صائمٌ. قالَ: ما أنا بآكلٍ حتَّى تَأْكُلَ. فأكَلَ. فلمَّا كانَ الليلُ، ذَهَبَ أبو الدَّرْداءِ لِيَقومَ، فقالَ لهُ سَلْمانُ: نَمْ. ثمَّ ذَهَبَ لِيَقومَ، فقالَ لهُ: نَمْ. فلمَّا كانَ مِن آخرِ الليلِ؛ قالَ سَلْمانُ: قُمِ الآنَ. فقاما فصَلَّيا. فقالَ سَلْمانُ: إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لضيفِكَ عليكَ حقًّا، وإن لأهلِكَ عليكَ حقًّا، فأعْطِ كل ذي حقٍّ حقَّهُ. فأتَيا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فذَكَرا ذلكَ لهُ، فقالَ: "صَدَقَ سَلْمانُ". وفي روايةٍ في غيرِ الصَّحيحِ؛ قالَ: "ثَكِلَتْ سَلْمانَ أُمُّهُ! لقد أُشْبعَ مِن العلمِ" (٣).

وهكذا قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لعَبْدِ اللهِ بن عَمْرِو بن العاصِ لمَّا كانَ يَصومُ الدَّهرَ، فنَهاهُ وأمَرَهُ أنْ يَصومَ صومَ داوودَ؛ يَصومَ يومًا ويُفْطِرَ يومًا. وقالَ لهُ: "لا أفضلَ مِن ذلكَ" (٤).

ووَرَدَ النَّهيُ عن صيامِ الدَّهرِ والتَّشديدُ فيهِ (٥).


(١) وقد جاء هذا من أوجه قويّة كثيرة جدًّا مرسلة وموصولة ساق السيوطي أكثرها في "الدرّ" (المائدة ٨٧) وجاء فيها ذكر جماعة آخرين من الصحابة زيادة على المذكورين هنا بما يوحي بأنّ الاندفاع في العبادات والرغبة بالتبتّل وقع من جماعة غير قليلة من الصحابة رضوان الله عليهم، فنزلت الآية فيهم جميعًا وفيمن تلاهم من الأُمّة إلى يوم الدين. فلله الحمد والمنّة على الإسلام والسنّة.
(٢) (٣٠ - الصوم، ٥١ - من أقسم على أخيه ليفطر، ٤/ ٢٠٩/ ١٩٦٨).
(٣) (حسن). رواه: ابن سعد (٢/ ٣٤٦)، وابن أبي شيبة (٣٢٣١٨)، وابن عساكر (٢١/ ٤١٧)؛ من طريق الأعمش، عن أبي صالح … به. وهذا مرسل قويّ.
ورواه الطبراني في "الأوسط" (٧٦٣٣) من طريق الحسن بن جبلة، ثنا سعيد بن الصلت، عن الأعمش، عن شمر بن عطيّة، عن شهر بن حوشب، عن أُمّ الدرداء … رفعته. قال الطبراني: "تفرّد به الحسن بن جبلة". وقال الهيثمي (٩/ ٣٤٧): "لم أعرفه". قلت: وشهر لا يعدو أن يكون صالحًا في المتابعات.
لكنّ هذا اللفظ يرتقي إلى الحسن بمجموع طريقيه المرسل والموصول.
(٤) أحد ألفاظ حديث ابن عمرو المتّفق عليه الذي تقدّم تخريجه (ص ٢٩٥).
(٥) عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عمرو في حديثه المتفق عليه المتقدّم تخريجه (ص ٢٩٥).

<<  <   >  >>