للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي "المسند" و "سنن أبي داوود" عن عائِشَةَ؛ أن عُثْمانَ بنَ مَظْعونٍ أرادَ التَّبتُّلَ، فقال لهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتَرْغَبُ عن سنَّتي؟ ". قال: لا واللهِ، ولكنْ سنّتكَ أُريدُ. قال: "فإنِّي أنامُ وأُصَلِّي (١)، وأصومُ وأُفْطِرُ، وأنْكِحُ النِّساءَ، فاتَّقِ اللهِ يا عُثْمانُ؛ فإن لأهلِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لضيفِكَ عليكَ حقًّا، و [إنَّ] لنفسِكَ عليكَ حقًّا، فصُمْ وأفْطِرْ وصَل ونَمْ" (٢).

وقد قال عِكْرِمَةُ وغيرُهُ: إنّ عُثْمانَ بنَ مَظْعونٍ وعَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ والمِقْدادَ وسالِمًا مولى أبي حُذَيْفَةَ في جماعةٍ تَبَتَّلوا، فجَلَسوا في البيوتِ واعْتَزَلوا النِّساءَ وحَرَّموا طيِّباتِ الطَّعامِ واللباسِ؛ إلَّا ما يَأْكُلُ ويَلْبَسُ أهلُ السِّياحةِ مِن بني إسْرائيلَ، وهَمُّوا بالاختصاءِ، وأجْمَعوا لقيامِ الليلِ وصيامِ النَّهارِ، فنَزَلَتْ [فيهِم]: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا [إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ]}


= أنّ المبهم هنا محمول على المبيّن، وهو جعدة بن هبيرة، صحابيّ صغير له رؤية، ومرسله مقبول عند أهل العلم. وروى الثالث: البزّار (٧٢٤ - كشف)، والطحاوي في "المشكل" (٢/ ٨٩)، والقضاعي في "الشهاب" (١٠٢٧)؛ من طريق مسلم بن كيسان الأعور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس مطوّلًا ومختصرًا. وهذا واهٍ، مسلم هذا ضعيف جدًّا شبه المتروك.
فالوجهان الأوّلان هنا قويّان، ولا يبعد أن يكون مجاهد سمعه من أكثر من صحابيّ فإنّه واسع الرواية جدّا. فمن لم يرتح لهذا؛ فليعلم أنّ التردّد بين وجهين صحيحين لا يضرّ. فالحديث قويّ على جميع الأحوال، ولا سيما أنّ للحديث شواهد عدّة. وقد قوّاه الهيثمي.
(١) في خ: "فإنّي أصلّي وأنام"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط متابعة للفظ أحمد.
(٢) (صحيح). رواه بهذا اللفظ: أحمد (٦/ ٢٦٨)، وأبو داوود (٢ - الصلاة، ٣١٧ - ما يؤمر من القصد، ١/ ٤٣٥/ ١٣٦٩)، والبزّار (١٤٥٧ - كشف)؛ من طريق قويّة، عن ابن إسحاق، ثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة … رفعته، وهذا سند قويّ، وقد صرّح ابن إسحاق بالتحديث فانتفت شبهة التدليس، ولذلك قال الألباني: صحيح.
ولحديث عائشة طرق أخرى صحيحة بنحو هذا اللفظ ومعناه عند: عبد الرزّاق (١٠٣٧٥)، وأحمد (٦/ ١٠٦ و ٢٢٦)، والبزّار (١٤٥٨ - كشف).
وروى الحادثة مختصرة: البخاري (٥٠٧٣ و ٥٠٧٤)، ومسلم (١٤٠٢)؛ من حديث سعد.
ولها شواهد مطوّلة ومختصرة بنحوه عند: ابن سعد (٣/ ٣٩٥)، وأبي يعلى (٧٢٤٢)، وابن حبّان (٣١٦)؛ من حديث أبي موسى الأشعري بسند صالح.
وعند الطبراني (٨/ ١٧٠/ ٧٧١٥) من حديث أبي أُمامة بسند ضعيف.
وعند ابن سعد (٣/ ٣٩٤ و ٣٩٥) من مراسيل الزهريّ وأبي قلابة الجرميّ وغيرهما.

<<  <   >  >>